مقال

أصل الحياة الطيبة ” جزء 6″

أصل الحياة الطيبة ” جزء 6″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء السادس مع أصل الحياة الطيبة، وهذا الأمر أي الصدق مع الله هو الذي جعل أبا دجانةَ يترس بنفسه دون رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يقع النبل في ظهره وهو منحنى على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كثر فيه النبل، فما بال بعض المسلمين اليوم حينما تعرض عليه مصالح آنية أو منافع ذاتية تجده يسير وراءها لاهثا، ويندفع نحوها مسرعا، ولو كان ذلك على حساب دينه ومخالفة أمره؟ فبئس القوم فبئس القوم، آثروا دنياهم على آخرتهم، واستبدلوا الفاني بالباقي، وإن الصدق الشامل مع الله تعالى معناه هو أنك إذا قلت إني أحبك يا رب، وأخافك وأرجوك، فإنك تمتحن بالتكاليف الشرعية، وتمتحن بالأوامر الإلهية وبالنواهي، فإن كنت صادقا في قولك آمنت، فإنك لا ترضى لنفسك أبدأ أن تقع في حرام، أو أن تترك واجبا من الواجبات.

 

فإذا قيل لك إن شرب الخمر حرام، إن شرب الدخان حرام، إن ظلم العامل حرام، إن الغيبة والنميمة حرام، إن إيذاء المسلم فسوق وإجرام، فإنك تعمل كل جهدك لكي لا تقع في ما حرم الله عليك، هذا إذا كنت صادقا، لهذا يقول سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة الزمر ” والذى جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون ” والذي جاء بالصدق، هو النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، والذي صدق به هم المؤمنون الذين اتبعوا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وصدقوا في ذلك، ولقد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادقين عند الله، فيقول “من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا وجبت له الجنة” وإن الرضا بالله ربا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا وبالإسلام دينا المقصود منه، أن ترضى وأنت صادق مع الله.

 

وهذا الرضى مع الصدق، هو الذي يجعلك تتحمل جميع المشاق في سبيل أن تصدق مع الله، وأن ترضيه، وهذا هو الذي فعله سلفنا الصالح، الذين صدقوا مع الله، واخلصوا له، فإن خبيب بن عدي أخذه كفار مكة، وصلبوه على الخشبة، وأرادوا قتله، وقال له أبو سفيان وكان كافرا حينئذ، قال له يا خبيب أترضى أن يكون محمد مكانك، وتنجو أنت؟ فانظر إلى الرد وتعلم الصدق، فإذا به يقول والله ما أرضى أن يشاك رسول الله صلى الله عليه وسلم بشوكة وأنا حي، فكيف أرضى بأن يكون مكاني؟ يعني أنا فداء لشوكة تصيبه لا أرضى بها، وانظر إلى المرأة المسلمة في غزوة أحد تأتي من بعيد بعد أن سمعت بهزيمة المسلمين، فيقال لها قتل زوجك، فتقول وأين رسول الله؟ فيقال لها وقتل أبوك، فيقول وأين رسول الله؟ فيقال لها وقتل ابنك، وقتل أخوك، فتقول وأين رسول الله؟

 

حتى إذا رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أقبلت عليه، وأمسكت بثوبه، وقالت كل مصيبة بعدك جلل، أي كل مصيبة بعدك هينة، وإن قتل الزوج والابن والأب، فما دمت أنت حيا، فكأن أحدا لم يقتل، فهل هناك أعظم من هذا الصدق؟ فما أعظم الصدق مع الله، وما أعظم الإيمان به، فإننا دخلنا في الإيمان ونحن أسعد الناس بهذا الإيمان، ولو لم يكن لنا في الحياة، لو لم يكن لنا مال ولا بنون ولا زوجات، ولا أولاد، ولا أي شيء نتمتع به إلا أن نشعر بأن قلوبنا مليئة بحب الله، والخوف منه، وأن ألسنتنا مرطبة بذكره، وأن الله أمتن علينا بمعرفته، وأكرمنا بالنطق بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، ولو لم يكن لنا إلا ذلك لكان أكبر سعادة لنا في الدنيا والآخرة، إنها نعمة عظيمة علينا، أن جعلنا الله تعالى من المسلمين المؤمنين، ولكن الكثير لضعف أخلاقهم وافتقادهم للصدق مع الله.

 

فإنهم لا يقدرون هذا النعمة، ولا يعرفون قيمتها، فيعيشون في هذه الحياة، وهم يتمردون على أوامر الله تعالى ورسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم، وساخطون، وناقمون على قدر الله وقضائه، وقيل أنه رأى رجل رجلا آخر مستندا على شجرة، وهو يقول الحمد الذي عافاني مما ابتلى به كثيرا من خلقه، فقال له وأراد أن يختبره، قال له يا رجل، هل لك بلد تسكنه؟ فقال لا، فقال هل عندك دار؟ فقال لا، فقال هل عندك مال؟ فقال لا، فقال هل عندك زوجة أو أولاد؟ فقال لا، فقال ليس عندك من حطام الدنيا شيء وأنا أرى مرض الجذام يأكلك، ومع ذلك أراك تقول الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيرا من خلقه، من أي شيء عافاك الله؟ والله ما أرى إلا البلايا كلها قد حطت عليك، فقال له ابتعد عني يا بطال، تريد أن تفسدني على ربي؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى