مقال

سعد بن معاذ الأنصاري ” جزء 1″

سعد بن معاذ الأنصاري ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

الصحابي الجليل سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس الأنصاري الأشهلي، يكنى أبا عمرو، وأمه فهي السيدة كبشة بنت رافع بن عبيد بن ثعلبة، وهي لها صحبة، فقد أسلمت وبايعت رسول الله صلي الله عليه وسلم، وماتت بعد ابنها سعد بن معاذ، وأما عن صفات سعد بن معاذ الخَلقية والجسدية فقد كان سعد من أطول الناس وأعظمهم، وكان رجلا أبيض جسيما جميلا، حسن اللحية، وأما عن حال سعد بن معاذ في الجاهلية، فقد كان سيد قومه ورئيس الأوس وزعيم قبيلة بني عبد الأشهل، وكان صاحبا لأمية بن خلف القرشي، الذي تم قتله في غزوة بدر كافرا، وكانت قبيلة بني قريظة موالية له ومن حلفائه، وقد أسلم سعد بن معاذ قبل الهجرة بعام، وكان عمره عند الإسلام واحدا وثلاثين عاما، فلما حضر الموسم حج نفر من الأنصار.

 

فأتاهم رسول الله فأخبرهم خبره الذي اصطفاه الله من نبوته وكرامته وقرأ عليهم القرآن، فلما سمعوا قوله أنصتوا واطمأنت أنفسهم إلى دعوته، وعرفوا ما كانوا يسمعون من أهل الكتاب من ذكرهم إياه بصفته وما يدعوهم إليه، فصدقوه وآمنوا به وكانوا من أسباب الخير، إذ رجعوا إلى قومهم فدعوهم سرا، وأخبروهم برسول الله صلي الله عليه وسلم والذي بعثه الله به ودعا إليه، حتى قلَّ دار من دور الأنصار إلا أسلم فيها ناس لا محالة، ثم بعثوا إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم أن ابعث إلينا رجلا من قبلك فيدعو الناس بكتاب الله، فإنه أدنى أن يتبع، فبعث إليهم رسول الله صلي الله عليه وسلم مصعب بن عمير، فنزل في بني غنم على أسعد بن زرارة، فجعل يدعو الناس سرا، ويفشو الإسلام ويكثر أهله، ولقد أسلم سعد بن معاذ رضي الله عنه في المدينة.

 

على يد سفير الإسلام مصعب بن عمير، ولما أسلم سعد قال لبني عبد الأشهل كلام رجالكم ونسائكم عليَّ حرام حتى تسلموا، فأسلموا، فكان من أعظم الناس بركة في الإسلام، وشهد غزوات بدر وأحد والخندق، أما زوجته فهي السيدة هند بنت سماك بن عتيك بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل الأنصارية، وهي عمة أسيد بن حضير، وكانت أولا عند أوس بن معاذ فولدت له الحارث بن أسلم وشهد بدرا، ثم خلف عليها أخوه سعد بن معاذ فولدت له عبد الله وعمرو، وأسلمت وبايعت، وإن من سادة الأنصار الذين نصروا الله ورسوله، شاب صالح، وقائد رائد، وهمام ضرغام، تسابقت الملائكة للصلاة عليه، واهتزّ لموته عرشُ الرحمن، ولم يبلغ الأربعين من عمرة، إنه الصادق الصدوق، عدو اليهود، وسيد الأوس سعد بن معاذ رضي الله عنه وأرضاه.

 

وقد أسلم قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم بعام تقريبا، فلما أسلم وقف على قومه، فقال يا بني عبد الأشهل كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا سيدنا وأيمننا نقيبة، فقال فإن كلامكم عليّ حرام، رجالكم ونساؤكم، حتى تؤمنوا بالله ورسوله، فما بقي رجل ولا امرأة في دار بني عبد الأشهل إلا وأسلموا، فكان من أكثر الصحابة بركة على قومه رضي الله عنه، فقد ملك قلوب قومه بخلقه، فأحبوه، ولما أحبوه أطاعوه، أحبوه، لأنه كان قويا من غير عنف، ورحيما من غير ضعف، استجابوا له، لأنهم عرفوا صدقه معهم، وحبّه للخير لهم، وما أجمل الداعي إلى الله حين يقتفي سيرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وصحبه الكرام في دعوتهم، فإنها النبراس والأسوة، ولقد كان سعد رضي الله عنه قويا ذا عزة ومنعة في الجاهلية، وزاده الإسلام عزة ومنعة.

 

وأن سعد ذهب إلى مكة معتمرا، فنزل على أمية بن خلف، وكان أمية ينزل على سعد إذا مر بالمدينة لتجارته بالشام، فقال له انتظر حتى إذا انتصف النهار، وغفل الناس طفت، فبينما سعد يطوف إذ أتاه أبو جهل، فقال من الذي يطوف آمنا؟ فقال أنا سعد، فقال أتطوف آمنا، وقد آويتم محمدا وأصحابه؟ قال نعم، فتلاحيا، فقال أمية لا ترفع صوتك على أبي الحكم، فإنه سيد أهل الوادي، فقال له والله لو منعتني لقطعت عليك متجرك بالشام، فردّد عليه أمية مقولته، فغضب سعد، وقال دعنا منك، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يزعم أنه قاتلك، فقال أميةإياي؟ قال نعم، فقال والله ما يكذب محمد، فقتله الله تعالى في بدر” ولقد كانت لسعد في الإسلام مواقف عظيمة وخالدة، فمن ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أراد الخروج لبدر استشار الناس.

 

فتحدث أبو بكر والمقداد بن عمرو من المهاجرين، فقالوا خيرا، فدعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال ” أشيروا علي أيها الناس” فقال سعد بن معاذ، وهو سيد الأوس والله كأنك تريدنا يا رسول الله؟ ” قال “أجل” فقال سعد فقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة لك، فامضي يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، فو الذي بعثك بالحق، لو استعرضت بنا البحر فخضته، لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا، وإنا لصُبر في الحرب، صُدق عند اللقاء، لعل الله أن يريك منا ما تقرّ به عينك، فسر على بركة الله، فو الله يا رسول الله، لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا هاهنا قاعدون، لكن اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا معكما مقاتلون، والله لو استعرضت بنا برك الغماد وخضته، لخضناه معك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى