مقال

أبو جهل عمرو بن هشام ” جزء 2″

أبو جهل عمرو بن هشام ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع أبو جهل عمرو بن هشام، وسأل المسور بن مخرمة، خاله أبا جهل عن حقيقة محمد صلى الله عليه وسلم، إذ قال يا خالي، هل كنتم تتهمون محمدا بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فقال يابن أختي، والله لقد كان محمد فينا وهو شاب يدعى الأمين، فما جربنا عليه كذبا قط، قال يا خال فما لكم لا تتبعونه؟ قال يابن أختي تنازعنا نحن وبنو هاشم الشرف، فأطعموا وأطعمنا، وسقوا وسقينا، وأجاروا وأجرنا، حتى إذا تجاثينا على الركب أي بمعني جلسنا على الركب للخصومة، كنا كفرسي رهان متساويين في الفضل، قالوا منا نبي، فمتى ندرك مثل هذه؟ وقال الأخنس بن شريق يوم بدر لأبي جهل يا أبا الحكم، أخبرني عن محمد، أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس ها هنا من قريش أحد غيري وغيرك يسمع كلامنا؟

 

فقال أبو جهل ويحك والله إن محمدا لصادق، وما كذب محمد قط، ولكن إذا ذهبت بنو قصي باللواء والحجابة والسقاية والنبوة، فماذا يكون لسائر قريش؟” ورغم علم وشهادة أبي جهل للنبي صلى الله عليه وسلم بالصدق والأمانة إلا أنه لم يؤمن به حسدا واستكبارا، وقد قال الله عنه وعن أمثاله، ممن كذبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يؤمنوا به، وهم يعلمون صدقه ونبوته كما جاء في سورة الأنعام ” فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون” ولقد كان أبو جهل فرعون هذه الأمة، شديد الأذى للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وكم لاقى المسلمون من إيذائه واستهزائه، وظل مستكبرا حتى آخر لحظات حياته، وقد شاء الله تعالى أن يكون مقتله في غزوة بدر على يد غلامين صغيرين وهما معاذ بن الجموح ومعاذ بن عفراء.

 

وأحد ضعفاء المسلمين وهو الصحاب الجليل عبد الله بن مسعود، الذي كان نحيل البدن، قصير القامة، وعن عبد الرحمن بن عوف قال بينما أنا واقف في الصف يوم بدر، فنظرت عن يميني وعن شمالي، فإذا أنا بغلامين من الأنصار، حديثة أسنانهما، تمنيت أن أكون بين أضلع منهما، فغمزني أحدهما فقال يا عم، هل تعرف أبا جهل؟ قلت نعم، ما حاجتك إليه يا ابن أخي؟ قال أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي نفسي بيده، لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، فتعجبت لذلك، فغمزني الآخر، فقال لي مثلها، فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس، قلت ألا إن هذا صاحبكما الذي سألتماني، فابتدراه بسيفيهما، فضرباه حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبراه، فقال صلى الله عليه وسلم “أيكما قتله؟”

 

قال كل واحد منهما أنا قتلته، فقال “هل مسحتما سيفيكما؟” قالا لا، فنظر في السيفين، فقال صلى الله عليه وسلم “كلاكما قتله، سلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح” وكانا معاذ بن عفراء، ومعاذ بن عمرو بن الجموح” رواه البخارى ومسلم، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، يوم بدر، فقلت قتلت أبا جهل؟ قال صلى الله عليه وسلم “آلله الذي لا إله إلا هو؟” قال قلت آلله الذي لا إله إلا هو، فرددها ثلاثا، قال صلى الله عليه وسلم “الله أكبر، الحمد لله الذي صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، انطلق فأرنيه” فانطلقنا فإذا به، فقال “هذا فرعون هذه الأمة” رواه احمد، وإن أبا جهل وهو في الرمق الأخير يصر على كفره وعناده، ويقول أأعمد من رجل قتلتموه؟ لقد ارتقيت مرتقى صعبا يا رويعي الغنم.

 

وتقع الأقدار العجيبة مع فرعون هذه الأمة أن يكون من الذين أسهموا بقتله غلامان من الأنصار في مقتبل الشباب حديثة أسنانهما، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه، الذي كان يسميه رويعي الغنم، ولم يقتله صناديد المسلمين، حمزة أو علي، أو أبطال الأنصار سعد بن معاذ أو أبو دجانة أو سعد بن عبادة، إنما كتب الله تعالى أجله على يد الغلامين من الأنصار، وعلى يد رويعي الغنم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، الذي كان قصير القامة، نحيل البدن، وقد دُفن أبو جهل في قليب بدر بعد أن تعفنت جثته وجثث أقرانه من طغاة قريش، الذين دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم قبل المعركة بأسمائهم، فعن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم.

 

قال ” اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عقبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط ” فوالذي بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، لقد رأيت الذين سمّى صرعى أي قتلى يوم بدر، ثم تم سحبهم وجرهم إلى القليب وهو قليب بدر، وفي ذلك عبرة للذين يصدون عن سبيل الله، ويعتدون على الضعفاء ويظلمونهم، ويغترون بقوتهم ومكانتهم، فمآل هؤلاء الطغاة الظلمة في كل زمان ومكان، إلى عاقبة سيئة في الآخرة، وقد يُمكن الله عز وجل للضعفاء والمظلومين منهم في الدنيا، كما حدث لأبي جهل يوم بدر، فقال الله تعالى في كتابة الكريم ” ونريد أن نمن علي الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى