مقال

موقعة صفين “جزء 5”

موقعة صفين “جزء 5”

بقلم / محمــــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الخامس مع موقعة صفين، والذي حاصر عثمان رضى الله عنه، ومنعه الماء إنما هم أهل الفتنة، وهم يقولون إن جيش الإمام علي يأوي هؤلاء القتلة، ويجب أن يذوقوا ما ذاقه عثمان بن عفان، فقال عبد الله بن سعد بن أبي سرح امنعهم الماء إلى الليل، فلعلهم يرجعون إلى بلادهم وبعد تشاور، وتباحث بين الفريقين اتفقوا على أن يشرب الجميع من الماء دون قتال، فكان ديدنهم، أن يقاتلوا حتى إذا كف القتال، ذهبوا جميعا، فشربوا من الماء دون أن يتقاتلوا عند الماء، ثم يأخذ كل فريق قتلاه من ساحة المعركة، فيدفنوهم، ويصلون عليهم، وهكذا كل يوم، وفي اليوم الثالث من هذه الحرب أرسل الإمام علي بن أبي طالب رضى الله عنه مجموعة أخرى لمعاوية رضى الله عنه، فأرسل له بشير بن عمرو الأنصاري، وسعيد بن قيس، وشُبيس بن ربعي.

 

وقال لهم آتوا هذا الرجل أى معاوية بن أبي سفيان، فادعوه إلى الطاعة، والجماعة، واسمعوا ما يقول لكم، فلما دخلوا على معاوية، بدأ بشير بن عمرو الأنصاري، فقال يا معاوية، إن الدنيا عنك زائلة، وإنك راجع إلى الآخرة، والله محاسبك بعملك، ومجازيك بما قدمت يداك، وإني أنشدك الله ألا تفرّق جماعة هذه الأمة، وألا تسفك دماءها بينها، فقال له معاوية رضى الله عنه “هلا أوصيت بذلك صاحبكم أى الإمام علي رضى الله عنه” فقال له إن صاحبي أحق هذه البرية بهذا الأمر، لفضله، ودينه، وسابقته، وقرابته، وإنه يدعوك إلى مبايعته، فإنه أسلم لك في دنياك، وخير لك في آخرتك، فقال معاوية رضى الله عنه “ويُترك دم عثمان، لا والله لا أفعل ذلك أبدا” وتفشل المفاوضات، وتبدأ المناوشات مره أخرى بين الفريقين، وفي كل يوم تخرج من كل جيش مجموعة.

 

تقاتل مجموعة من الجيش الآخر، وفي آخر اليوم يتحاجز الفريقان، ثم يعودان للقتال من جديد في اليوم التالي، وهكذا طوال شهر ذي الحجة، وفي تلك السنة أمّر الإمام علي رضى الله عنه على الحج عبد الله بن عباس، فأتم مهمته، ورجع بعد حجه إلى جيش علي بن أبي طالب رضى الله عنه، وفي شهر المحرم تهادن الفريقان، وحاولا الإصلاح، ولكن دون جدوى، وأرسل الإمام علي بن أبي طالب رضى الله عنه عدي بن حاتم الطائي أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاوية بن أبي سفيان رضى الله عنه، ومع عدي يزيد بن قيس، وشُبيس بن ربعي، فقام عدي بن حاتم رضى الله عنه، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد يا معاوية، إنا جئنا ندعوك إلى أمر يجمع الله به كلمتنا، وأمرنا، وتحقن به الدماء، وتأمن به السبل، ويُصلح ذات البين، إن ابن عمك سيد المسلمين.

 

أفضلها سابقة، وأحسنها في الإسلام أثرا، وقد استجمع له الناس، وقد أرشدهم الله بالذي رأوا، فلم يبقي أحد غيرك، ومن معك من شيعتك، ثم قال له كلمة قاسية شديدة قال فانت يا معاوية، لا يصبك مثل ما أصاب أصحاب يوم الجمل، فقال له معاوية كأنك إنما جئت مهددا، ولم تأتي مصلحا، هيهات، والله يا عدي، إني لابن حرب لا يُقعقع لي بالشنئان، فقال له شُبيس بن ربعي اتقي الله يا معاوية، ولا تخالفه، فإنا والله ما رأينا رجلا قط أعمل بالتقوى، ولا أزهد في الدنيا، ولا أجمع لخصال الخير كلها منه، فتكلم معاوية، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال أما بعد، فإنكم دعوتموني إلى الجماعة والطاعة، فأما الجماعة فمعنا هي، وأما الطاعة، فكيف أطيع رجلا أعان على قتل عثمان، وهو يزعم أنه لم يقتله، ونحن لا نرد ذلك عليه، ولا نتهمه به، ولكنه آوى قتلته.

 

فيدفعهم إلينا حتى نقتلهم ثم نحن نجيبكم إلى الطاعة، والجماعة، فيقول شُبيس بن ربعي أنشدك الله يا معاوية لو تمكنت من عمار بن ياسر أكنت قاتله بعثمان؟ فقال معاوية لو تمكنت منه ما قتلته بعثمان، ولكني أقتله بغلام عثمان، ومعاوية رضى الله عنه لا يقول هذا الكلام حميّة لعثمان رضى الله عنه، ولا عصبية، ولكنه يرى أنه لا تعطيل لحدود الله مهما صغر المقتول، كغلام عثمان مقارنة بعثمان رضي الله عنهما، ومهما كان القاتل أو من أعان على إيوائه، وأرسل معاوية رضى الله عنه بعض الرسل إلى الإمام علي رضى الله عنه فيهم شرحبيل بن عمرو، وحبيب بن مسلمة، ولكن لم يتم الصلح طوال شهر المحرم، وفي آخر يوم من أيام المحرّم استدعى الإمام علي بن أبي طالب رضى الله عنه مناديه يزيد بن الحارث، وأمره أن يخرج إلى أهل الشام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى