مقال

الدكرورى يكتب عن الملك الزاهد إدريس السنوسي

الدكرورى يكتب عن الملك الزاهد إدريس السنوسي

بقلم/ محمد الدكرورى

 

الملك إدريس السنوسي ملك ليبيا الملقب بالملك الزاهد، وهو الملك محمد إدريس الأول وهو أول حاكم للجمهورية الليبية بعد الاستقلال عن إيطاليا وعن قوات الحلفاء في الرابع والعشرين من ديسمبر لعام ألف وتسعمائة وواحد وخمسين للميلاد، وهو من العائلة السنوسية، من سلالة محمد بن علي السنوسي، مؤسس الطريقة السنوسية، وقد ورث موقع جده، والسنوسية هي حركة إصلاحية ذات طابع إسلامي توجد في ليبيا والسودان تأسست في مكة، ثم تأسست في ليبيا، في مدينة البيضاء، وتميزت هذه الحركة عن غيرها من الحركات الإصلاحية الإسلامية، خاصة فيما يتعلق بوسائلها وأهدافها الأكثر عمقا وفاعلية، ويرجع أصلها لسلالة الأدارسة الذين حكموا المغرب في القرن التاسع، وقد عمت مراكزها الدينية شمالي أفريقيا والسودان الرأس الأخضر.

 

وبعض البلدان الإسلامية الأخرى، وكان الملك إدريس السنوسي نموذجا فريدا من نوعه بين الملوك العرب ينفرد بميزات تميزه عن غيره من الحكام، فقد نشأ في كنف أبيه الذي كان قائما على أمر الدعوة السنوسية في ليبيا، وعلى يديه وصلت إلى ذروة قوتها وانتشارها، وهكذا ظل الملك محمد إدريس الأول هو أول حاكم لليبيا حتى حدوث الانقلاب الليبي ضده عام ألف وتسعمائة وتسعة وستون للميلاد، وقد التحق إدريس السنوسي بالكتاب، فأتم حفظ القرآن الكريم بزاوية الكفرة، وهى مركز الدعوة السنوسية، ثم واصل تعليمه على يد العلماء السنوسيين، ثم رحل إلى برقة سنة الف وتسعمائة واثنين ميلادي وتوفي في ذات العام والده “السيد المهدي” بعد أن بلغت الدعوة في عهده الذروة والانتشار، ووصل عدد “الزوايا” إلى مائة وست وأربعين زاوية.

 

وكانت موزعة في برقة وطرابلس وفزان والكفرة ومصر والسودان وبلاد العرب، وانتقلت رئاسة الدعوة إلى السيد أحمد الشريف السنوسي، وصار وصيا على ابن عمه إدريس وجعله تحت عنايته ورعايته، وقد قاد أحمد الشريف السنوسي في فترة من فترات إمارته للحركة السنوسية المجاهدين الليبيين وبعد هزيمته في المعركة التي قادها ضد الإنجليز في مصر تنازل لابن عمه محمد إدريس السنوسي، وبعد قيام الحرب العالمية الأولى سحبت إيطاليا كثيرا من قواتها بليبيا بسبب اشتراكها في هذه الحرب، وفي الوقت نفسه رأى السنوسيون أن يساعدوا الدولة العثمانية التي دخلت الحرب أيضا، فقام السيد أحمد الشريف بحملة عسكرية على مصر منها معركة وادي الماجد، وكان الغرض منها إرغام بريطانيا على القتال في حدود مصر الغربية.

 

ومن ثم شغلها عن الحملة التركية الألمانية على قناة السويس، غير أن هذه الحملة فشلت، وعاد السيد أحمد شريف إلى بلاده منهزما، تاركا مهمة قيادة الدعوة السنوسية إلى ابن عمه محمد إدريس السنوسي وتحت إلحاح مشايخ وزعماء برقة، فاستطاع أن يقبض على الأمور بيد قوية ويضرب على أيدي المفسدين فأنقذ البلاد من خطر التشرذم والحرب الاهلية، وبعد أن أفنت الحرب والاوبئة ثلث سكان برقة، واتخذ من مدينة اجدابيا مقرا لإمارته الناشئة، وأخذ يشن الغارات على معسكرات الإيطاليين، وعن الملك إدريس، فهو أول ملك عربي رفض أن يحج على نفقة الدولة وأصر على الحج على نفقته الخاصة،على الرغم من كل المحاولات لثنيه عن ذلك، والملك إدريس أول ملك عربي يصدر مرسوما يلغي فيه لقب “صاحب الجلالة”

 

مؤكدا أن هذا اللقب من خصائص الله تعالى وحده، وأيضا الملك إدريس منح قصره في البيضاء ليكون جامعة ومنح قصره في بنغازي ليكون جامعة، فإهتمامه بالعلم أكبر بكثير من أى شئ آخر، والملك إدريس قرر إلغاء عملة ليبية صدرت تحمل صورته لأن العملات في تلك الفترة كانت جميعها تحمل صور الملوك مثل ملك المغرب وملك الأردن وملك السعودية، فقام الوزراء بوضع صورة الملك ادريس على العملة بدون علمه وعندما علم الملك غضب وأمر بإلغائها، فأخبروه بأن إلغاء العملة سوف يسبب في خسارة للخزانة الليبية تقدر بملياران جنيه، فبقيت العملة لفترة محدودة ثم قاموا بإصدار عملة أخرى لا تحمل صورته، والملك إدريس هو الحاكم الوحيد لدولة نفطية غنية كشفت الأيام عدم تملكه لأرصدة أو حسابات مصرفية خارج ليبيا.

 

بل وأظهرت المصادر الموثوقة بعد وفاته بأن الحكومة التركية هي من تكفلت بدفع تكاليف الفندق الذي كان ينزل به عند حدوث انقلاب سبتمبر الذي قام به القذافي ودفعت مصاريف سفره منها إلى اليونان قبل رحيله إلى مصر حتى وفاته في الخامس والعشرين من شهر مايو عام ألف وتسعمائة وثلاثة وثمانون ميلادي ودفن في مقبرة البقيع بالمدينة المنورة بعد أن نقلت جثمانه طائرة عسكرية خصصتها الحكومة المصرية لذلك، وكان الملك قد حكم عليه بالإعدام غيابيا من قبل محكمة الشعب الليبية في نوفمبر عام ألف وتسعمائة وواحد وسبعون ميلادي، وظل الملك ادريس السنوسى، ملكا على ليبيا حتى انقلاب في أول سبتمبر عام ألف وتسعمائة وتسعة وستون ميلادي قام به ضباط عسكريين بقيادة العقيد معمر القذافي فأطاحت بحكمه.

 

وكان وقتها في تركيا للعلاج وتوجه لاحقا إلى اليونان حيث أقام لفترة ثم انتقل إلى مصر برفقة زوجته الملكة فاطمة وسكن في ضيافة الدولة المصرية فهى أم الدنيا التى تحتضن كل العرب حيث أقام بشارع بولس حنا الثاني بمنطقة الدقي ومعه الملكة فاطمة وابن أخيها الدكتور نافع بن العربي بن أحمد الشريف السنوسي وزوجته السيدة علياء بن غلبون حتى وفاته، وتقول زوجته السيدة فاطمة في رسالة لها بعد الانقلاب وتحديدا في الثالث عشر من سبتمبر عام ألف وتسعمائة وتسعة وستون ميلادي، إننا نحمد الله على أن تيجان الملكية لم تبهرنا قط، ولا نشعر بالأسف لفقدها، فنحن كنا دائما نعيش حياة متواضعة، ولم يغب عن أذهاننا مثل هذا اليوم، كما نحمد الله كثيرا على أننا لا نملك مليما واحدا في أي مصرف حتى يشغل بالنا المال والملك إدريس عندما حدثت ضده مظاهرات وكان سمعه قد ثقل سأل مرافقيه ماذا يقولون ؟ فقالوا ” يقولون بدنا إبليس وما بدنا إدريس ” قال ” اللهم استجب ” .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى