مقال

الدكروري يكتب عن معركة اليرموك “جزء 7”

الدكروري يكتب عن معركة اليرموك “جزء 7”

بقلم / محمـــد الدكــرورى

 

ونكمل الجزء السابع مع معركة اليرموك،وكان أبو بكر رضي الله عنه قد مرض وأوصى إن مات فالخليفة من بعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكانت سياسة عمر بن الخطاب رضي الله عنه تختلف عن سياسة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فقرر استبدال قيادة الجيش الإسلامي في إقليم الشام من خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى أبي عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه، وبعث بكتابه الذي يتضمن الأمر بذلك، ويقول ابن الأثير ” قدم البريد من المدينة واسمه محمية بن زنيم وأخذته الخيول فسألوه الخبر، فأخبرهم بسلامة وإمداد، وإنما جاء بموت أبي بكر وتأمير أبي عبيدة، فبلغوه خالدا فأخبره خبر أبي بكر سرا، وأخبره بالذي أخبر به الجند، قال أحسنت فقف، وأخذ الكتاب وجعله في كنانته وخاف إن هو أظهر ذلك أن ينتشر له أمر الجند”

 

فلما انتهت المعركة جاء خالد رضي الله عنه ليعلن مضمون الكتاب على الملأ، ويضع نفسه جنديا مطيعا للقائد الجديد للجيوش أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه الذي عينه أمير المؤمنين وكانت رؤية عمر بن الخطاب رضي الله عنه في تغيير منصب القائد لسببين وهما تعلق المسلمين بخالد بن الوليد رضي الله عنه شخصيا، وافتتانهم به، فخالد بن الوليد رضي الله عنه لم يدخل معركة في الإسلام ولا في الجاهلية إلا وانتصر فيها، وذلك لقوته وخبرته العسكرية وحسن تدبيره رضي الله عنه ودهائه بتوفيق الله عز وجل، حتى أن بعض قادة الفرس صار يعتقد أن خالدا كان يحمل سيفا أنزله له الله عز وجل من السماء، وهكذا كانت تروج الإشاعات، ومن أسس السياسة في الإسلام أن يأخذ الناس بالأسباب ثم تكون النتائج على الله عز وجل فتتعلق القلوب بالله وليس بالبشر.

 

لذلك فقد كتب عمر رضي الله عنه كتب إلى الأمصار “إني لم أعزل خالدا عن سخطة ولا خيانة، ولكن الناس فتنوا به فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع” وإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عرف بشدته وقوته، وكذلك خالد بن الوليد رضي الله عنه عرف بهما، فرأى عمر أن يكون الخليفة شديدا وقائد الجيوش شديدا أمر ليس فيه مصلحة للأمة، وإن المنصب الذي يكلف فيه القائد المسلم هو تكليف وليس تشريف، فالهدف منه خدمة القضية والناس والدولة وليس المنافع الشخصية الدنيوية، ومن رقي وسمو أنفس أصحاب النبي رضي الله عنهم، وقبولهم لأي وظيفة يكونون بها من غير تمرد ولا شكوى ولا تبرير، ولقد كان موقف خالد رضي الله عنه موقفا رشيدا، ولقد حرص خالد بن الوليد رضي الله عنه على عدم إشاعة خبر وفاة أمير المؤمنين أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

 

مخافة أن تتزعزع معنويات مقاتلي الجيش الإسلامي ويتقهقروا أثناء القتال، ولم يتواجد خالد بن الوليد مساء اليوم السادس بعد إحراز النصر وإنتهاء المعركة في معسكر المسلمين، بل شوهد مساء اليوم التالي في المعسكر، فقد تابع خالد بن الوليد وفريقه فلول ماهان المتجهة إلى دمشق واشتبك معهم ليقتل ماهان على يد أحد المقاتلين المسلمين، فقد قطع رأسه وصرخ والله قد قتلت ماهان وكانت العادة السائدة آنذاك أن المعركة تنتهي بهرب الجيش المنكسر، ولذلك فكان آخر ما توقعه هامان وجنوده المنهزمون هو متابعة خالد بن الوليد لهم، وبعد انتهاء المعركة وقد تم قتل عشرات الآلاف من الروم، وأسر الآلاف، قرر قيصر الروم هرقل أن يهرب نحو القسطنطينية، وهي عاصمة الدولة البيزنطية، ويقول ابن الأثير في الكامل ” وسار هرقل فنزل بشمشاط.

 

ثم أدرب منها نحو القسطنطينية فلما أراد المسير منها علا على نشز ثم التفت إلى الشام فقال السلام عليك يا سورية، سلام لا اجتماع بعده، ولا يعود إليك رومي أبدا إلا خائفا، وهذا خطاب صادر عن رجل عالم بالكتب السماوية، فلقد كان يعرف أن المسلمين على الحق، لأنهم يعتنقون الدين الحق وهو دين الإسلام، فإذا فتحوا أرض سوريا خاصة والشام عامة وحرروها من براثنه فلن تعود إلى سلطانه أبدا، لقد كان هرقل يعلم أن الإسلام دين الحق ولكنه الصلف والتكبر والظن بالملك وحب الذات، كل ذلك كانت موانع في طريق هدايته ولكن كان الثمن بالنسبة للروم كبيرا، وكانت معركة اليرموك من أعظم المعارك الإسلامية، وأبعدها أثرا في حركة الفتح الإسلامي، فقد لقي جيش الروم أقوى جيوش العالم يومئذ هزيمة قاسية.

 

وفقد زهرة جنده، وقد أدرك هرقل الذي كان في حمص حجم الكارثة التي حلت به وبدولته، فغادر سوريا نهائيا وقلبه ينفطر حزنا، وقد ترتب على هذا النصر العظيم أن استقر المسلمون في بلاد الشام، واستكملوا فتح مدنه جميعا، ثم واصلوا مسيرة الفتح إلى الشمال الإفريقي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى