مقال

الدكرورى يكتب عن موقعة الجمل ” جزء 2″

الدكرورى يكتب عن موقعة الجمل ” جزء 2″

بقلم / محمــــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع موقعة الجمل، وعلى الفرض أن قسطنطين هذا نجح في الوصول إلى الشواطئ الشمالية للشام، فمن يستطيع أن يجمّع الجيوش لمحاربة هؤلاء الرومان، وأي جيوش يجمعها، ففي كل بلد أمير، ولكل بلد جيشها، فمبايعة الخليفة إذن كانت أمرا من الضرورة بمكان، وإذا نظرنا إلى المدة التي كانت فيها الشورى لاختيار عثمان بن عفان رضي الله عنه بعد مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يكن المسلمون في تلك المدة القصيرة دون أمير، بل كان أميرهم في هذه الثلاثة أيام هو عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه، فلا يصح بحال أن يمر على المسلمين يوم واحد دون أن يكون عليهم أمير، ولما بويع عثمان رضي الله عنه بالخلافة، قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قد خلعت ما في رقبتي في رقبة عثمان.

 

بل إن الصحابة رضي الله عنهم قد اختاروا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يدفنوا النبي صلى الله عليه وسلم، ولما مات الصديق رضي الله عنه بين المغرب والعشاء، بايع المسلمون في الفجر عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، فالأمر عظيم، وجلل، ولا يصح تأجيله بحال من الأحوال، وكان من الواجب على الجميع أن يبايعوا الخليفة الذي اختاره أهل الحل والعقد، واختاره أهل المدينة والكثرة الغالبة من أهل الأمصار، وهو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولكن بعض الصحابة وعلى رأسهم طلحة بن عبيد الله وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم رفضوا هذا التباطؤ في تنفيذ القصاص ولما مضت أربعة أشهر على بيعة الامام علي دون أن ينفذ القصاص خرج طلحة والزبير إلى مكة، والتقوا بأم المؤمنين السيدة عائشة.

 

زوجة رسول الله صلي الله عليه وسلم، وبنت خليفة رسول الله أبو بكر الصديق رضي الله عنهم أجمعين، وكانت السيدة عائشة رضي الله عنها عائدة من اداء فريضة الحج واتفق رأيهم على الخروج إلى البصرة ليتقوا بمن فيها من الخيل والرجال، ليس لهم غرض في القتال، وذلك تمهيدا للقبض على قتلة عثمان وإنفاذ القصاص فيهم، وقيل أن السيدة عائشة رضي الله عنها لما بلغت مياه بني عامر ليلا نبحت الكلاب، قالت ” أي ماء هذا؟” قالوا ” ماء الحوأب” قالت ” ما أظنني إلا راجعة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا ” كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب ” فقال لها الزبير ترجعين عسى الله عز وجل أن يصلح بك بين الناس” واعتبر الإمام علي بن أبي طالب أن خروج أهل المدينة المنورة بهذا الشكل يعد بالقرار التسرّعي وعدم الصبر.

 

إلا أن الصحابيان وأم المؤمنين رأو وجوبا القصاص من قتلة عثمان بن عفان رضي الله عنه حتى يقضى على رؤوس الفتنة وتنتهي الفتن بين المؤمنين عامة والصحابة خاصة، فانطلق جيش كبير بقيادة الصحابيان طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام بالإضافة إلى وجود أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما وأرضاهم مما بعث في نفوس الجند المعنويات العالية كونها أمهم أي أم المؤمنين وزوجة رسول الله صلي الله عليه وسلم، وهكذا فإن الفتن إذا تلاطم موجها، وغشيت كقطع من الليل مظلم، فعندها تضطرب الأفهام، وتزل الأقدام، وتختل الموازين ، فإذا بدهماء الناس يسيرون خلف كل ناعق، ويهتفون لكل صائح، يرددون بلا وعي، ويتعجلون بلا روية، حتى قال حذيفة رضي الله عنه ” تكون فتنة تموج فيها عقول الرجال.

 

حتى ما تكاد ترى رجلا عاقلا ” وسأل رجل فقال يا رسول الله، هل للإسلام من منتهى؟ قال “أيما أهل بيت من العرب أو العجم أراد الله بهم خيرا أدخل عليهم الإسلام” قال ثم مه؟ قال ” ثم تقع الفتن كأنها الظلل” قال الرجل كلا والله إن شاء الله، قال “بلى، والذي نفسي بيده، ثم تعودون فيها أساود صُبا يضرب بعضكم رقاب بعض” وبعد حدوث الفتنة ومقتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان، بايع كبار الصحابة الإمام علي بن أبي طالب لخلافة المسلمين، وقيل أنه قبل البيعة وهو كارها لها، وانتقل إلى الكوفة ونقل عاصمة الخلافة إلى هناك، وبعدها انتظر الصحابة أن يقتص الإمام علي بن أبي طالب من قتلة عثمان بن عفان رضي الله عنهم، لكن الإمام علي أجّل هذا الأمر لسببين وهما الانتظار حتى تهدأ الفتنة، فلم يكن الإمام قادرا على تنفيذ القصاص في قتلة عثمان لعدم علمه بأعيانهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى