مقال

الدكروري يكتب عن غزوة فتح مكة “جزء 3”

الدكروري يكتب عن غزوة فتح مكة “جزء 3”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثالث مع غزوة فتح مكة، ورفض كل من أبي بكر وعمر وعلي التشفع له عند النبي صلى الله عليه وسلم وجاء أن ابنته رفضت جلوسه على فراش النبي صلى الله عليه وسلم باعتبار أبي سفيان “نجس” أي مشرك وهكذا عاد أبوسفيان لقومه آسفا لا يدري ما يفعل ولا شك أن ما فعلته قريش وحلفاؤها كان غدرا محضا ونقضا صريحا للميثاق لم يكن له أي مبرر، ولذلك سرعان ما أحست قريش بغدرها، وقررت أن تبعث أبا سفيان ممثلا لها ليقوم بتجديد الصلح وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بما ستفعله قريش، قال ” كأنكم بأبي سفيان قد جاءكم ليشد العقد ويزيد المدة ” ولم يقبل الرسول صلى الله عليه وسلم وفادة أبي سفيان، ولكن مع ذلك فإنه لم يخرج مباشرة إلى مكة، بل جهز العدة وأخفى وجهته حتى باغتهم ودخل مكة فاتحا.

 

دون قتال، وقد أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم هذا القرار بمنتهى الجدية ولا شك أن هذا يعطي ثقة للمتحالفين، ويبين للحلفاء المشركين أخلاق المسلمين، وأنهم يدافعون عن الحليف المعتدَى عليه، إذا ما أصابه مكروه، حتى ولو كان هذا الدفاع سيصيبهم بأذى كبير، وأخذ رسول الله صلي الله عليه وسلم يجهز الجيش للخروج إلى مكة، فحضرت جموع كبيرة من القبائل ولما أجمع صلى الله عليه وسلم المسير إلى مكة ولكن حدث شيء لم يكن متوقعا من صحابي وهو الصحابي حاطب بن أبي بلتعة وقد كتب الصحابي حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه رسالة يخبر قومه في قريش ويحذرهم، ثم أعطاه لجارية عند بني عبدالمطلب تدعى “سارة” فوضعتها في ضفيرتها، فكتب كتابا بعث به إلى قريش مع هذه المرأة، يخبرهم بما عزم عليه رسول الله عليه وسلم.

 

وأمرها أن تخفي الخطاب في ضفائر شعرها حتى لا يراها أحد، وقيل أن نص الرسالة كان “يا معشر قريش فإن رسول الله جاءكم بجيش كالليل، يسير كالسيل، فو الله لو جاءكم واحده لنصره الله، وأنجز له وعده، فانظروا لأنفسكم، والسلام” فإذا الوحي ينزل على رسول الله صلي الله عليه وسلم بما صنع حاطب، فبعث الرسول صلى الله عليه وسلم الإمام علي بن أبي طالب والزبير بن العوام ليلحقا بالمرأة، وتم القبض عليها قبل أن تبلغ مكة وعثرا على الرسالة في ضفائر شعرها، فخرجا حتى أدركاها بالحليفة، حليفة بني أبي أحمد فاستنزلاها، فالتمساه في رحلها، فلم يجدا فيه شيئا، فقال لها علي إني أحلف بالله ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا كذبنا، ولتخرجن لنا هذا الكتاب أو لنكشفنك، فلما رأت الجد منه قالت أعرض، فأعرض.

 

فحلت قرون رأسها، فاستخرجت الكتاب منها، فدفعته إليه، فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطبا، فقال صلى الله عليه وسلم ” يا حاطب ما حملك على هذا؟ فقال يا رسول الله أما والله إني لمؤمن بالله وبرسوله ما غيرت ولا بدلت، ولكنني كنت امرءا ليس لي في القوم من أصل ولا عشيرة، وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل، فصانعتهم عليهم فلما عاتب النبي صلى الله عليه وسلم حاطبا اعتذر أنه لم يفعل ذلك ارتدادا عن دينه ولكنه خاف إن فشل رسول الله عليه وسلم على أهله والذين يعيشون في مكة، وكان موقف حاطب مشينا، وطلب عمر بن الخطاب أن يضرب عنقه باعتباره منافقا، وقد استعطف حاطب بن بلتعة، رسول الله صلى الله عليه وسلم، قائلا أنه لم يفعل ما فعل كفرا بالله ورسوله.

 

ولكن حماية لذوي قربته من بطش قريش، فقال عمر ” يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق ” فقال رسول الله عليه وسلم ” مهلا يا عمر إنه قد شهد بدرا، وما يدريك لعل الله قد اطلع على من شهد بدرا فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ” وكان حاطب ممن حارب مع رسول الله عليه وسلم في غزوة بدر، فعفا عنه، ولقد كان المسلمون قلة في عصورهم الأولى وفتحوا البلاد، وسادوا العباد، لأن الرجولة الحقة كانت متكاملة فيهم، وكان كل فرد منهم أمة واحدة، وهم اليوم كثرة مستعبدة لأنهم فقدوا الرجولة الحقة، وأصبحوا كما أخبر عنهم الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم “غثاء كغثاء السيل ” ونزع من قلوب عدوهم المهابة منهم، وقذف في قلوبهم الوهن، وأحبوا الحياة فماتوا، وكرهوا الموت فذلوا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى