مقال

الدكروري يكتب عن غزوة فتح مكة “جزء 8”

الدكروري يكتب عن غزوة فتح مكة “جزء 8”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثامن مع غزوة فتح مكة، فلقد أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي سفيان في هذا الموقف ما يكفل له الفخر أبد الدهر، إنه صلى الله عليه وسلم لم يكتفي بإعطاء الأمان لأبي سفيان، بل أعطى الأمان لكل من يدخل دار أبي سفيان، فقال صلى الله عليه وسلم “من دخل دار أبو سفيان فهو آمن ” وإننا لا يمكن أن نتصور مدى النبل الذي في هذا الموقف إلا أن نضع أنفسنا في الموقف ذاته، ولنكن صادقين مع أنفسنا، وليكن العالم صادقا مع نفسه، فهل يفعل ذلك أحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وأبو سفيان رغم أنه أسلم منذ قليل إلا أنه لم ينس قومه الذين جعلوه سيدا عليهم من قبل، لم ينسى أن يسعى لحقن دمائهم وإن كانوا كافرين، ولم يكن أمثال القادة الذين يحتمون بشعوبهم فإذا دارت عليهم الدائرة طلبوا الأمان لأنفسهم.

 

وضحوا بجميع من تحتهم، ولم يكن رسول الله صلي الله عليه وسلم بأقل من أبي سفيان في حرصه على حقن دماء القرشيين أعداء الأمس، فقال صلى الله عليه وسلم لأبي سفيان “‏ بل اليوم يوم تعظم فيه الكعبة، اليوم يوم أعز الله فيه قريشا ‏” ‏وأرسل من توه إلى سعد بن عبادة رضي الله عنه فأخذ منه راية الأنصار، ودفعها إلى ابنه قيس بن سعد، وجعله الأمير خلفا له، ولم يشأ صلى الله عليه وسلم أن يجعلها في يد أحد غير ابنه فيحز ذلك في نفسه، وتلك أبلغ الحكمة في تصرف القائد في الأمور الحساسة الدقيقة، وبعد ذلك أرسل النبى صلى الله عليه وسلم أبا سفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء رضي الله عنهم ليدعوا أهل مكة إلى الإسلام، ويطمئنوهم على أنه لن ينالهم من رسول الله صلي الله عليه وسلم مكروه إن هم تحاشوا الصدام معه.

 

وخلوا بينه وبين دخول مكة، وأوصاهم أن يعلنوا حالة منع التجول لحظة دخول الجيش، حيث طلب منهم أن ينادوا في الناس، أن من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، لأنها كانت بأعلى مكة، فيسهل أن يدخل بها أهل البوادي أو من خرجوا للرعي بالجبال، ويصعب عليهم العودة إلى مساكنهم، ومن دخل دار حكيم فهو آمن، وكانت بأسفل مكة، يدخل إليها القريبون منها، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن، ومن أغلق على نفسه داره فهو آمن، وهكذا قد استجاب أهل مكة لدعوة أبي سفيان وحكيم وبديل، فخلوا الطرق لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتصد لجيوشه الأربع سوى مجموعة من الأوباش، جمعهم صفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل مع بني بكر، تعرضوا لخالد بن الوليد عند دخوله من أسفل مكة، حتى إذا اشتد عليهم القتال فروا من أمامه.

 

وتفرقوا إلى ديارهم، فلما وصل الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ” يا خالد لمَ قاتلت وقد نهيتك عن القتال”؟ قال هم بدءونا بالقتال، ووضعوا فينا السلاح، وأشعرونا بالنبل، وقد كففت يدي ما استطعت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” قضاء الله خير” ونجحت خطة رسول الله صلى الله عليه وسلم المحكمة، إذ دخل مكة فاتحا بأقل خسارة، فلم يُقتل من المسلمين سوى رجلين ضلا الطرق وتاهوا عن جيش خالد، وأما المشركون فكان عدد من قتل منهم أمام جيش خالد بضعة وعشرين رجلا، وكانوا قد أصروا على المواجهة وكان دخوله صلى الله عليه وسلم لعشر بقين من رمضان دخولا يتلاءم مع عظمته وسمو أخلاقه، حيث علاه التواضع حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح، وأحنى رأسه على دابته، حتى إن شعر لحيته.

 

ليكاد يمس عنق الدابة، وأخذ يردد ” اللهم إن العيش عيش الآخرة” ونظر إليه في هذا اليوم رجل ولم يكن يعرفه من قبل فتخيل أنه كسائر الملوك، فأخذته الرعدة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم” هون عليك،فإنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد بمكة ” وقال” إنما أنا عبد أي إنسان مثل سائر الناس، آكل كما يأكل العبد، واجلس كما يجلس العبد” ولم يجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد دخول مكة وإنما اتجه فور دخوله إلى المسجد الحرام، فطاف بالكعبة شاكرا الله على أن أتم عليه النعمة، وأخذ ينظر إلى الأصنام المنصوبة حولها ويقول “جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ” وبعد أن طهرت الكعبة من الأصنام، أمر النبي صلى الله عليه وسلم، بلالا بن رباح رضي الله عنه، فأذن فوقها، مما هيج غيظ بعض سادة قريش ممن لم يتخلصوا من عنصرية الجاهلية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى