مقال

الدكروري يكتب عن الرحلة الأرضية والسماوية ” جزء 5″ 

الدكروري يكتب عن الرحلة الأرضية والسماوية ” جزء 5″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الخامس مع الرحلة الأرضية والسماوية، كما أن الله تعالى أطلق المباركة ولم يحدد نوعها، لتكون مباركة عامة، روحية ومعنوية ومادية، واما عن الوقفة السادسة وهي في قوله تعالى “لنرية من آياتنا” أي أن الله تعالى هو الذي أرى رسوله الحبيب محمد صلي الله عليه وسلم الآيات، بإرادته سبحانه، وفي هذا تكريم لنبينا وحبيبنا، ورسولنا المصطفي محمد صلى الله عليه وسلم وتعظيم لشأنه، وقد استمر سفر الإسراء إلى المعراج صعودا في السماوات لتحقيق هذا الغرض، وهو أن تمتلئ روح رسول الله صلى الله عليه وسلم بدلائل العظمة، وقد بين الله تعالى ذلك في آيات سورة النجم بقوله تعالي ” لقد راي من آيات ربه الكبري” وقال سبحانه وتعالي “لنرية من آياتنا” ولم يقل “لنريه آياتنا” أي أن ما رآه الرسول صلى الله عليه وسلم على الرغم من علو مقامه واستعداده الكبير.

 

هو بعض آيات الله الكبرى وليس كل الآيات، واللام في قوله تعالى ” لنرية” تعليلية، أي أن الله تعالى أسرى بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ليرى من آيات ربه الكبرى، وأما عن الوقفة السابعة، وهي في قوله تعالى ” إنه هو السميع البصير” حيث خُتمت الآية الكريمة بذكر صفتين من صفات الله تعالى هما السمع والبصر، والسمع هو إدراك يدرك الكلام، والبصر هو إدراك يدرك الأفعال والمرائي، ورغم أن أكثر ما يجلب الانتباه في رحلة الإسراء هو قدرة الله سبحانه وتعالي، إلا أن الآية لم تختم بما يدل على القدرة مثل “والله على كل شيء قدير” لأن قوله تعالى ” سبحان الذي أسري بعبده” دلت على القدرة، وختم الآية بما يدل على القدرة لا يضيف معنى جديدا، والله تعالى أسرى بعبده ليريه من آياته الكبرى وليسمعه ما خفي من الأصوات، والذي يُري ويُسمع لا بد أن يكون سميعا بصيرا.

 

وفي قوله تعالى ” إنه هو السميع البصير” بضمير الفصل “هو” لبيان أن الله تعالى هو وحده المتصف بكمال السمع وكمال البصر، ومن هنا يمكن أن يكون المعنى “سميع” لأقوال الرسول صلي الله عليه وسلم “بصير” بأفعاله، حيث آذاه قومه وكذبوه، وقد يكون المعنى، سميع لأقوال المشركين، حينما آذوا سمع رسول الله صليه الله عليه وسلم وكذبوه وتجهموا له، بصير بأفعالهم حينما آذوه ورموه بالحجارة، وذهب بعض المفسرين إلى أن قوله تعالى ” إنه هو السميع البصير” هو تهديد لمنكري هذا الإعجاز، وأن الله تبارك وتعالى محيط بما يقولون، وبما يفعلون، وبما يمكرون، وإنجاز الأعمال بحسب أهميتها، ودرجة إلحاحها، فشريعتنا الغرّاء كما أنها تدعو المسلم للعمل وإعمار الأرض هي ذاتها من تدعوه لإدراك أن الغايةَ من الخلق والإيجاد هي العبادة، وإن الجهل من أسباب ضعف الإيمان.

 

فالجاهل معرض للشبهات التي تزعزع الإيمان وتنقصه، والجاهل يرتكب الخرافات والبدع التي تهدم الدين وتقوض أركان العقيدة، وإن الجهل موت لصاحبه، فالجاهل ميت القلب والروح، وأن الجهل من أسباب الضلال والانحراف، فهو من أهم الأسباب لحصول الضلال والانحراف عن الحق لصاحبه ولغيره، وهو سبب لانحراف كثير من الناس عن الهدى والصواب، ولقد جاءت نصوص قرآنية تحذر من ترؤس الجهلة وتصدرهم لقيادة الأمة، إذ بذلك تجتلب المحن والفتن على المسلمين، وكفى بالعلم شرفا يدعيه من لا يحسنه، ويفرح إذا نسب اليه وكفى بالجهل ذما ان يتبرأ منه من هو فيه، فالعلم كالسراج من مر به إقتبس منه، وليس بعد الفرائض أفضل من طلب العلم، وإن حُسن طلب الحاجة نصف العلم، ولقد صبر المؤمنين على الأذى الشديد وتحملهم ما لا يطيقونه من أجل نصرة الدين.

 

فكان ثبات النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على الدين، ولم يدفعهم ما مروا به للارتداد عن الإسلام، أو النزول على رغبة الكفار بقتل نبيهم، وكان شيوع قصة حثار شعب أبى طالب بين القبائل خارج مكة، وهذا فيه خير للمسلمين، فقد وصل خبر الإسلام وانتشر دون جهد منهم، فما أن انتهى الحصار حتى توافد الناس من خارج مكة ليعلنوا إسلامهم وقد اغتنم نبي الله صلى الله عليه وسلم الفرص وتخيرها لممارسة الدعوة إلى الله تعالى، حتى في هذا الوقت العصيب، وكانت أخلاق المسلمين تتجلى في حفظهم للمعروف وردهم للجميل لكل من وقف معهم في هذه المحنة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الله تعالى أن يخفف عن عمه أبي طالب عذاب النار، كما منع الصحابة من قتل أبي البختري في غزوة بدر، وأعطى هشام بن ربيعة من غنائم غزوة حنين وزاد له فيها.

 

لقد حثنا الرسول صلى الله عليه وسلم على التفكير العقلي المنطقي المسبق قبل الإقدام على العمل، وهو الدعامة التي يقوم عليها أي عمل جديد، ويحتاج إلى تخطيط مسبق ومنسق، وخطة محكمة بعد التوكل على الله سبحانه وتعالى لقوله صلى الله عليه وسلم “اعقلها وتوكل ” فعلى العاقل أن يتخذ الأسباب ثم يتوكل على الله وقد قال عمر بن الخطاب “اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا” وإن المسلم يخطط تخطيطا بعيدا يتجاوز الحياة الدنيا بالتخطيط لآخرته ومصيره بعد موته، فيتعلم لأجل ذلك التخطيط لحياته الدنيا، ليكتمل النظام في جميع جوانب حياته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى