مقال

الدكروري يكتب عن تحويل القبلة في الشريعة الإسلامية ” جزء 5″

الدكروري يكتب عن تحويل القبلة في الشريعة الإسلامية ” جزء 5″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

ونكمل الجزء الخامس مع تحويل القبلة في الشريعة الإسلامية، وأظهر بعض المسلمين القلق على من لم يكتب الله له شرف الصلاة إلى الكعبة ممن مات قبلهم، وخافوا من حبوط أعمالهم، وقالوا يا رسول الله كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس ؟ فأنزل الله “وما كان الله ليضيع إيمانكم” يعني صلاتكم رواه الترمذي، وأصله في الصحيح، وأما اليهود فقد عابوا على المسلمين رجوعهم عن المسجد الأقصى إلى الكعبة، وقابلوا ذلك بالسخرية والاستهجان، واستغلوا ذلك الحدث بدهاء ليمرروا من خلاله الشكوك والتساؤلات طعنا في الشريعة وتعمية لحقائقها، وقد حذر الله سبحانه وتعالى المسلمين وأخبرهم بموقف اليهود قبل وقوعه فقال تعالي كما جاء في سورة البقرة ” سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم”

وهكذا تحقّق للمسلمين فضل التوجه إلى القبلتين جميعا، واستطاعوا أن يجتازوا هذا الامتحان الإلهي، وبذلك نالوا شهادة الله عز وجل كما جاء في سورة البقرة ” وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا” وكان ذلك التحول إيذانا بنهاية الشرك وسقوط رايته، وأصبحت الكعبة قبلة للمسلمين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وإن المسجد الأقصى هو القبلة الأولى التي كانت قبلة المسلمين عندما كتبت عليهم الصلاة بداية إلى المسجد الأقصى، والمقصود بالقبلة هنا أي الجهة والتوجه، وفي الاصطلاح هي الجهة التي يتجه إليها المسلمون في صلاتهم، فكان أمر الله سبحانه في بداية تشريع الصلاة أن يتوجه المسلمون إلى المسجد الأقصى، ثم جاء التحويل إلى الكعبة المشرفة، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم.

وهو يتجه في صلاته إلى بيت المقدس يود لو أن الله عز وجل يحوّل قبلته إلى البيت الحرام، وذلك لارتباطه القلبي بأبيه الخليل إبراهيم عليه السلام باني البيت الحرام ورافع قواعده، والنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من نسل نبي الله إبراهيم عليه السلام ومتبعه في التوحيد ومحيي سنته، فكان ينظر في السماء يقلب بصره، كأنه ينتظر أمر الله سبحانه باستجابة دعائه، وشاء الله سبحانه وتعالي أن يُلبّي رغبة نبيه المصطفي صلى الله عليه وسلم فأنزل عليه الأمر بتغيير الوجهة إلى البيت الحرام، فقال الله تعالى ” قد نري تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره” فسرّ النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، كما أكد الله سبحانه أنه ما كان ليضيع عملهم الصالح وعباداتهم، فقال الله تعالى ” وما كان الله ليضيع إيمانكم”

وقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المدينة ستة عشر شهرا نحو المسجد الأقصى، ثم جاءه الأمر بتحويل القبلة إلى البيت الحرام، ولأن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم كان يود أن يبدل الله سبحانه وتعالى قبلته نحو المسجد الحرام، فكان في مكة يجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس فيصلي، ثم لما أتى المدينة بقي يصلي نحو المسجد الأقصى حتى أذن الله تعالى له بتغيير وجهته في الصلاة، ولقد ورد أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم كان خارجا في زيارة لأم بشير بن البراء بن معرور، فلما دخل موعد صلاة الظهر قام فأمّ الناس في مسجد هو مسجد بني سلمة وقد توجه في صلاته إلى الشام، فلما صار في الركوع الثاني أتاه الأمر بتغيير القبلة فتحول النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة المشرفة، وتحول أصحابه معه.

وقد سمّي ذلك المسجد بعد ذلك بمسجد القبلتين لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في صلاته فيه بين القبلتين، وقد كان بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قباء، ولم يصلهم الخبر حتى فجر اليوم التالي، فما إن دخلوا صلاتهم حتى أتاهم آت ونادى فيهم فقال “إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة” الحكمة من تحويل القبلة ما من شك أن ثمة حكمة لكل أمر أنفذه الله تعالى، ومن ذلك تحويل قبلة المسلمين من المسجد الأقصى إلى الكعبة المشرفة في مكة المكرمة، وإن من الحكم لتحويل القبلة هو ابتلاء الناس جميعا مسلمين ويهودا ومشركين ومنافقين، فالمسلمون امتثلوا فورا لأوامر ربهم ولم يتوانوا في تنفيذ حُكمه بتغيير وجهتهم في صلاتهم إلى الكعبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى