مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن مجاهد ” جزء 4″

الدكروري يكتب عن الإمام إبن مجاهد ” جزء 4″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الرابع مع الإمام إبن مجاهد، ويمكن القول إنه مؤسس أول جامعة للقرآن الكريم وقراءاته في بغداد ” وقد فاق في عصره سائر نظرائه من أهل صناعته مع اتساع علمه، وبراعة فهمه، وصدق لهجته، وظهور نسكه، وقد نال ابن مجاهد ثقة سائر المشتغلين بالقراءات في عصره وبعد عصره وبحسبك منهم شهادة إمام هذا الفن والمرجع فيه ابن الجزري إذ قال ولا أعلم أحدا من شيوخ القراءات أكثر تلاميذا منه، ولا بلغنا ازدحام الطلبة على أحد كازدحامهم عليه، وقد حكى ابن الأخرم عنه أنه وصل إلى بغداد فرأى في حلقة ابن مجاهد نحوا من ثلاثمائة مصدر” وقال علي بن محمد المقري كان لابن مجاهد في حلقته ثمانية وأربعون خليفة يأخذون على الناس، وقد رأى ابن مجاهد أن ترك الأمر على عواهنه يؤدي إلى اختلاط المسائل، ودخول السليم في السقيم.

 

فلا بد إذن من التمييز بين من يصلح للإمامة، ويتوافر لديه الإسناد الثبت، وبين من يتلقى القراءة من غير أهلها، فيشوبها بالخطأ واللحن، وهكذا فإنه يبين رأيه جليا في مقدمة كتابه الشهير السبعة بقوله ” فمن حملة القرآن من يعرب ولا يلحن، ولا علم له بغير ذلك، فذلك كالأعرابي الذي يقرأ بلغته ولا يقدر على تحويل لسانه فهو مطبوع على كلامه، ومنهم من يؤدي ما سمعه ممن أخذ عنه، ليس عنده إلا الأداء لما تعلم، ولا يعرف الإعراب ولا غيره، فذلك الحافظ، فلا يلبث مثله أن ينسى إذا طال عهده فيضيع الإعراب لشدة تشابهه، وكثرة فتحه وضمه وكسره في الآية الواحدة، لأنه لا يعتمد على علم العربية، ولا به بصر بالمعاني يرجع إليه، وإنما اعتماده على حفظه وسماعه وقد ينسى الحافظ فيضيع السماع وتشتبه عليه الحروف، فيقرأ بلحن لا يعرفه وتدعوه الشبهة إلى أن يرويه عن غيره.

 

ويبرئ نفسه، وعسى أن يكون عند الناس مصدقا فيحمل ذلك عنه وقد نسيه ووهم فيه، وجسر على لزومه والإصرار عليه، أو يكون قد قرأ من نسي وضيع الإعراب، ودخلته الشبهة فيتوهم، فذلك يقلد القراءة ولا يحتج بنقله، ومن حملة القرآن من هو على مستوى يؤهله إلى معرفة إعراب القراءة ويبصره بمعانيها ولكنه لا يعرف القراءات ولا تاريخها مع جهله بمصادر الرواية، وقد يحمله ذلك على أن يقرأ بحرف يجوز لغة وإعرابا مع أنه لم يقرأ به أحد من السابقين، وهذا يوصله إلى أن يبتدع قراءة جديدة، ومنهم من يعرف قراءته، ويبصر المعاني، ويعرف اللغات، ولا علم له بالقراءات واختلاف الناس والآثار، فربما دعاه بصره بالإعراب إلى أن يقرأ بحرف جائز في العربية لم يقرأ به أحد من الماضين فيكون بذلك مبتدعا، ولكن لماذا اختار ابن مجاهد هؤلاء السبعة تحديدا؟

 

فقيل أنه لم يكن ابن مجاهد يبحث عن قراءات سبع، ولا عن سبعة قراء حينما اتجه ببحثه هذا، غاية الأمر أنه كان يبحث عن المتواتر وصادف أنه لم يجتمع لديه من أسانيد التواتر بالشروط المعتبرة إلا سبعة، فضبطها وحررها ودوّن أصولها وفرشها، والظاهر أنه صنف أولا سبعة كتب، كل كتاب في قراءة، كلما ثبت عنده تواتر قراءة أفردها بكتاب، حتى إذا اكتمل لديه الاختيار صنف كتابه الشهير السبعة في القراءات، ومنهج ابن مجاهد في كتابه أنه بدأ بذكر أسماء القراء السبعة وأصول كل واحد منهم واختياراته في شأن الهمزات والإمالات والإدغامات والياءات وغير ذلك من الأصول، ثم بدأ بذكر فرش الحروف فكان يسمي اختيار كل منهم من غير توجيه للفرش، وعلى ذلك فقد دون مواضع اختلافهم في القرآن الكريم باستقصاء كامل، وقد صار منهج ابن مجاهد إماما للناس من بعده.

 

فاقتفى أثره كل الذين كتبوا من بعده في هذا الفن، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتلو بعض كلمات القرآن الكريم بلهجات متعددة تيسيرا على القبائل العربية التي كان بينها اختلاف في نبرات الصوت وطريقة الأداء، فكان فيهم من يدغم ومن يظهر، ومن يخفي ومن يبين، ومن يفخم ومن يرقق، ومن يمد ومن يقصر، إلى غير ذلك من الكيفيات المختلفة في النطق، ونتيجة لهذه الفروق التي يصعب على الناس التخلص منها سريعا، وتوسيعا لمن يريد أن يدخل في الإسلام ويقرأ القرآن أمر الله نبيه أن يقرئ كل قبيلة بلغتها وما جرت عليه عادتها، وقد عبر عن هذا قوله صلى الله عليه وسلم “إن هذا القرآن نزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه” وقد اختلف العلماء في تعيين السبعة، والأشهر أنها لغات قريش وهذيل وثقيف وكنانة وتميم واليمن وهوازن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى