مقال

الدكروري يكتب عن الأيام طبيب ماهر لا يتقاضي أجر.

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الأيام طبيب ماهر لا يتقاضي أجر.

بقلم / محمــــد الدكــــرورى

 

إن الأيام طبيب تداوي الألم وتعالج النفس مما ألم بها، وتكشف لك أمور كنت تظنها على غير هيئتها وتبقى كمشرط الجراح الماهر تحسم موقفا وتقطع ما قد تلف وفسد وتثبت ما ومن أهتز، وتعطيك فرصة للنسيان وتضمد جراحا كانت تنزف، وتعيد لك الثقة بالنفس إن كانت لديك الإرادة وحسن الإدارة، والانتصار لمن يصبر، وفي مرور الأيام والليالي، وتعاقب الشهور والأعوام عبرة وعظة، عبرة في سرعة انقضاء الأعمار، وعظة في قرب حلول الآجال، وأليست هذه الأيام والشهور مراحل نقطعها من أعمارنا فمع غروب شمس كل يوم وانتهاء كل شهر، وانصرام كل عام تنقص الآجال، ويقترب حلول الموعد المجهول؟ وألسنا في كل يوم نودع غالي، ونشيع حبيبا، ونودع الثرى عزيزا، وفي ذلك إنذار لنا بأن المصير واحد، ولكل أجل كتاب؟

 

وإن الأعمار مضروبة والآجال مقسومة، وكل واحد منا قد قسم له نصيبه في هذه الحياة، فهذا يعيش خمسين سنة، وذاك يعيش ستين سنة، وذاك يعيش عشرين سنة، وأنت منذ أن خرجت إلى الدنيا، وأنت تهدم في عمرك وتنقص من أجلك، وإن الإنسان في هذه الحياة الدنيا كمثل المسافر والناس منذ خلقوا لم يزالوا مسافرين، وليس لهم حط رحالهم إلا في الجنة أو في النار، والعاقل يعلم أن السفر مبني على المشقة وركوب الأخطار، ومن المحال عادة أن يطلب فيه نعيم ولذة وراحة، وإنما ذلك بعد انتهاء السفر، وإن في شروق شمس كل يوم، واستهلال كل عام منحة يسوقها الله عز وجل لمن شاء من خلقه، والناس ما بين مستثمر لها ومضيع، فمن الناس من أيقن بسرعة مرور الليالي والأيام وانقضاء الأعمار، فتراه في سباق مع الزمن، يستثمر كل مناسبة.

 

ويبذل كل جهد في الطاعة، لا يحقر من المعروف شيئا، ولا يستهين من محقرات الذنوب ذنبا، همه في صباحه ومسائه، كسب مزيدا من الحسنات، والإكثار من القربات، غايته يسعى لنيل رضا مولاه، ويسعى للفوز بجنته وكرامته، وهناك وقفة جميلة تفكرت فيها بين ولادة الإنسان ووفاته، فالمولود حين ولادته يؤذن في أذنه اليمنى وتقام الصلاة في اليسرى، ومعلوم أن كل أذان وإقامة يعقبهما صلاة، فأين الصلاة؟ وصلاة الجنازة ليس لها أذان ولا إقامة، لأنه قد أذن وأقيم لها عند ولادتك، والفترة التي بين الأذان والإقامة والصلاة كفترة عمرك في الدنيا ويجب أن نعلم أن انصرام اليوم يعني انصرام بعضك كما قال الحسن البصري “يا ابن آدم، إنما أنت أيام، إذا ذهب يوم ذهب بعضك” وقال “يا ابن آدم، نهارك ضيفك فأحسن إليه، فإنك إن أحسنت إليه ارتحل بحمدك.

 

وإن أسأت إليه ارتحل بذمك، وكذلك ليلتك” وقال “الدنيا ثلاثة أيام، أما الأمس فقد ذهب بما فيه، وأما غدا فلعلك لا تدركه، وأما اليوم فلك فاعمل فيه” فكل يوم يمر عليكم تزدادون بعدا من الدنيا وقربا من الآخرة فاعملوا وتزودوا لها، وقال علي بن أبي طالب ارتحلت الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل، وإياكم وضياع الوقت فيما لا فائدة فيه، فإن إضاعة الوقت أشد من الموت، لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها، ويقول الفضيل بن عياض لرجل كم أتى عليك ؟ قال ستون سنة، قال فأنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك يوشك أن تبلغ، فقال الرجل إنا لله وإنا إليه راجعون، قال الفضيل أتعرف تفسيره.

 

تقول إنا لله وإنا إليه راجعون، فمن علم أنه لله عبد وأنه إليه راجع فليعلم أنه موقوف، ومن علم أنه موقوف، فليعلم أنه مسئول، فليعد للسؤال جوابا، فقال الرجل فما الحيلة ؟ قال يسيرة، قال ما هي؟ قال تحسن فيما بقي يغفر لك ما مضى، فإنك إن أسأت فيما بقي، أخذت بما مضى وما بقي والأعمال بالخواتيم، وإن أحوال العالم تتغير يوما بعد يوم، وشهرا بعد شهر، وسنة بعد سنة، وعقدا بعد عقد، وقرنا بعد قرن من الزمان، والله سبحانه وتعالى بحكمته عز وجل وعلمه، وقدرته وإرادته هو الذي يغير هذه الأمور فهو سبحانه وتعالى القائل في سوة آل عمران ” وتلك الأيام نداولها بين الناس” ونزلت هذه الآية في معركة أحد، كان المسلمون قد انتصروا قبلها في غزوة بدر انتصارا مبينا فرقانا بين الحق والباطل، وبعد ذلك في معركة أحد انهزم المسلمون.

 

وقتل منهم سبعون من خيارهم، وحصلت هزيمة عظيمة، وشُجّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلت منه الدماء، ودفع المسلمون ثمن الهزيمة باهظا من الأرواح والمعنويات التي فقدوها في تلك الغزوة، وأطلع النفاق رأسه، واشتد النفاق بعد معركة أحد بالذات ما لم يشتد قبل ذلك، ومن هم أولئك المسلمون؟ إنهم الصفوة المختارة التي قادها أعظم نبي ظهر في البشرية على الإطلاق، وهو رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، والسبب طبعا كان هو كما قال تعالي في سورة آل عمران “حتي إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة” فالفشل والتنازع، والمعصية وحب الدنيا، أربعة أسباب رئيسية ذكرتها الآية، وهي أسباب لهزيمة المسلمين في معركة أحد، وقبل فترة كانوا منتصرين.

 

وبعد فترة أصبحوا منهزمين، وبعدها انتصروا في الأحزاب، وبعدها جاءت حنين، فانهزموا في البداية، وانتصروا بعدها، ثم توالت انتصارات المسلمين تفتح بلاد العالم شرقا وغربا، وإن الأيام تدور سراعا والوقت يمضي بسرعة خيالية لا مثيل لها وكل ذلك إنما هو محسوب علينا ويمضي من أعمارنا وينقضي من آجالنا فماذا أعددنا للنهاية؟ وماذا عملنا ليوم القيامة وبأي عمل سيختم لنا به فتكون خاتمتنا حسنة أو سيئة؟ فلا بد لنا من الاتعاظ والاعتبار والتذكر والاستبصار لكي نستفيد من هذه الحوادث التي تحدث لنا في الليل والنهار ، فاعتبروا يا أولي الأبصار واسلكوا طريق الأبرار ولا تغرنكم الدنيا بزخارفها وفتنها فإنها دار عناء وبلاء لا دار خلود وقرار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى