مقال

الدكروري يكتب عن موقف الشرع من الشهادة ” جزء 3″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن موقف الشرع من الشهادة ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثالث مع موقف الشرع من الشهادة، ومن مظاهر التساهل بالشهادة أن يقابل شخص آخر في المحكمة أو غيرها ويقول له اشهد لي بكذا وأشهد لك، وأحيانا لا يعرف أحدهما الآخر ولا يعلم عن صدقه وكذبه وصلاحه وفجوره، ومن مظاهر التساهل بالشهادة التهاون في تزكية الشهود وجرحهم وهو لا يعلم عن حالهم شيئا وإنما يأخذه الحماس والعاطفة والانتصار لفلان من الناس لمكانته أو لكثرة أمواله أو لمنصبه، فيقع في أمر عظيم يترتب عليه أكل أموال الناس بالباطل وظلمهم والاعتداء عليهم، وإن من أفظع الكذب وأقبحه شهادة الزور فإنها من الفسق والفجور، فذنبها عظيم وإثمها جسيم، بها تضيع الحقوق، ويظلم البريء، ويبرأ الظالم الآثم، فلا يتعاطاها إلا ضعيف الإيمان عديم الوجدان، وقد عدلت شهادة الزور الشرك بالله.

 

وإن شاهد الزور يستحق الطرد والمقت والتعزير والتشهير وتعريف الناس به حتى يحذروه، فقد كتب عمر بن الخطاب رضى الله عنه إلى عماله في شاهد الزور أن يضرب أربعين سوطا، وأن يسوَّد وجهه، ويحلق رأسه، ويطاف به، ويطاول حبسه، وكان الخلفاء رضوان الله عليهم إذا جيء لهم بشاهد زور أوقفوه وعرفوا الناس به وحبسوه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” خير القرون قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته” رواه البخارى، وإنه يترتب على شهادة الزور أمور عظيمة منها تضليل الحكام عن الحق، والحكم بناء على البينة الظاهرة لأن البينة على المدعي واليمين على من أنكر، فإذا كانت البينة كاذبة أخذ الحق غير صاحبه والإثم على الشاهد، وأيضا ظلم من شهد له لأنه ساق إليه حقا ليس له.

 

وهذا من الزور والبهتان، وأيضا الظلم لمن شهد عليه حيث سلبه ماله وحقه بهذه الشهادة الكاذبة، وهنا قد يدعو عليه المظلوم دعوة تحصبه ومن وراءه، فدعوة المظلوم مستجابة، وأيضا تخليص المجرمين من عقوبة الجرائم التي ارتكبوها، فقد يشهد معهم أحد شهادة زور تخلصهم من العقوبة التي تنتظرهم وهنا يكون ظلم شاهد الزور للمجتمع بأسره لأن هذا الشاهد يُعين على انتشار الجريمة ويجرم في حق نفسه ومجتمعه، وأيضا يترتب على شهادة الزور انتهاك المحرمات وأكل أموال الناس بالباطل، وأيضا القول على الله بغير علم حيث يكذب شاهد الزور ويغير الحقائق دون مراعاة لما يترتب على شهادته، فقد يكون فيها كذب على الله وافتراء على عباد الله، وكما يترتب على شهادة الزور أن الحاكم والمحكوم له والمحكوم عليه كلهم خصماء لشاهد الزور يوم القيامة.

 

لأنه أجرم بحقهم جميعا، وهؤلاء الذين يأخذهم الحماس ويصدقون فلانا أو فلانة بأن هذا ملك لهم ولا ينازعهم فيه أحد ويطلبون شهادة عليه فيشهد معهم وهو لا يعلم، وقد يكون ذلك قبل ولادته، كل هذا مما وقع فيه الناس ويقعون فيه، والخصومة بين يدي الله عز وجل، وصدق الله العظيم الذى قال فى سورة الفرقان ” والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما” فاتقوا الله وراقبوه وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، فإن الشهادة ليست مجرد قول باللسان ولا حديث عابر في مجلس ولا كلمة يقولها المرء يمحوها بالتوبة والاستغفار، فإن الشهادة كلمة يترتب عليها العدل فى الحكم، وتنزع بها الحقوق، وتصان بها الأرواح، وتسفك بها الدماء، وتحفظ بها الأموال أو تهدر، فإلى الله المشتكى كم خربت شهادة الزور من بيوت عامرة.

 

وكم ضيعت من حقوق ظاهرة، وكم أزهقت من أرواح بريئة، وكم أفسدت من مجتمعات، وكم خلصت من المجرمين الآثمين وظلمت من الناس الصادقين الأبرياء، إنها شهادة الزور التي يطول ضررها أصحاب القبور في قبورهم، والأجنة في بطون أمهاتهم، تؤكل بها حقوق الأيتام، وتضيع بها أموال القاصرين، والحساب بين يدي الحكيم العليم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، الحكم العدل سبحانه، والشهود في ذلك اليوم هي جوارح شاهد الزور الذي شهد في الدنيا زوراً وبهتانا، فليتق الله شاهد الزور وليتب إلى الله تعالى قبل أن يوقف بين يدى أحكم الحاكمين وأعدل العادلين في يوم يقتص فيه للشاة الجلحاء من الشاة القرناء، ليتق الله فسيأتي يوم يتمنى لو قطع لسانه في الدنيا ولم يشهد شهادة زور، وصدق الله العظيم القائل فى محكم التنزيل فى سورة الإسراء.

 

“ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا” فشهادة الزور سبب لزرع الأحقاد والضغائن في القلوب، لأن فيها ضياع حقوق الناس وظلمهم وطمس معالم العدل والإنصاف، ومن شأنها أن تعين الظالم على ظلمه وتعطي الحق لغير مستحقه، وتقوض أركان الأمن، وتعصف بالمجتمع وتدمره، ونظرا لما لشهادة الزور من أضرار ومخاطر على الأفراد والمجتمعات فقد ورد ذمها في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسبب الاهتمام بذلك كون قول الزور أو شهادة الزور أسهل وقوعا على الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى