مقال

الدكروري يكتب عن وعاء العمر والحياة ” جزء 1″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن وعاء العمر والحياة ” جزء 1″
بقلم / محمــــد الدكــــرورى

إن من النعم العظيمة التي يغفل عنها الغافلون هي نعمة الصحة والفراغ، فيجهلون قدرها، ولا يؤدون شكرها، وهي فرص الأوقات التي تخلو من المشاغل والمعوقات المانعة من العمل للدين والدنيا والآخرة كما في حديث النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ” نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ” رواه البخاري، وإن كان العمر طويلا فازدد من الطاعة والقربة والإحسان، واستغله بطاعة الله الرحيم الرحمن، فهذا الإمام الشافعي رحمه الله عاش قرابة خمسين عاما، ولم يزد عليها، ولكن اسمه على كل لسان، فقد ملأ علمه الأفاق، وترك أثرا لا يمحى، وكم من معمر عاش أكثر من مائة عام ولا يعرف بين الناس له ذكر، لأنه ليس له عمل صالح، فالكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها، واعلم بأنه يطول عمرك وأنت حي.

بكثرة العمل الصالح، ويطول عمرك وأنت ميت، بالصدقات الجارية والعلم النافع ودعاء الولد الصالح فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ” إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له” رواه مسلم، واعلم أنه جاء جبريل عليه السلام إلى النبي الكريم صلى الله عليه و سلم فقال “يا محمد عش ما شئت فإنك ميت و احبب من أحببت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك مجزي به ” فما أحوج الإنسان إلى التأمل والتفكر في ملكوت السموات والأرض، وما بث الله عز وجل فيها من آيات ربوبيته ووحدانيته وبديع صنعه، وهو الذي خلق كل شيء فقدره تقديرا، وإن من عجائب الخلق وبديع صنعه هذا الزمن الذي تنطق به حركات الكون كله في دوران الأجرام السماوية في أفلاكها، وفي تعاقب الليل والنهار.

وتتابع الفصول، بل حتى في دقات قلب الإنسان كعداد ينطق بقيمة الوقت، ويحصي لحظات عمره بطريقة العد العكسي، وإن المسلم العاقل العامل يغتنم فرصة، ويتحرك بجد وحزم وعزم لملء أوقات عمره بالطاعات، والقربات، وفعل الخيرات، ويسارع إلى مغفرة من ربة وجنات النعيم، كما هو مأمور في كتاب الله، وسنة رسوله، وهذا تحضيض من النبي الكريم صلى الله عليه وسلم على المبادرة إلى الأعمال الصالحة قبل حلول الموانع، والمعوقات، والفتن فقال صلى الله عليه وسلم ” بادروا بالأعمال سبعا، هل تنظرون إلا إلي فقر منس، أو غني مطغ، أو مرض مفسد، أو هرم مفند، أو موت مجهز، أو الدجال، فشر غائب ينتظر، أو الساعة، فالساعة أدهي وأمر” رواه الترمذى، وهكذا فإن الحياة دقائق وثوان وإن الوقت من نعم الله العظيمة، يتكرم فيه المولى سبحانه على العباد بفرص العمر الغالية.

لعلهم يغتنمون الحياة الدنيا الفانية من أجل الفوز بنعيم الحياة الأخروية الباقية، فالعمر أوقات، أيام، وشهور، وسنوات، والوقت أثمن من الذهب والمال، لأن المال قد يعوض أو يستعاد، لكن الوقت من حيث يمضي لا يعود، إنه وعاء العمر والحياة، من اغتنمه فقد اغتنم عمره وحياته، ومن أضاعه خسر الدنيا والآخرة، وفي غفلة من الناس، وهم بالآمال متعلقون، وعلى حين غرة، يأتيهم الأجل المحتوم، وحينها يتنبهون من غفلتهم، ليدركوا قيمة أوقات الأعمار الضائعة، ويستجدون الفرص الإضافية لعلهم يتداركون، وتزداد الحسرة والندامة يوم القيامة، وقد أزلفت الجنة للمتقين، وبرزت الجحيم للغاوين، هنالك يدعو المضيعون لأوقات أعمارهم الدنيوية بالويل والثبور، وهم في النار يصطرخون، أما أهل الجنة فليسوا يتأسفون، وهم في النعيم المقيم، إلا على ساعة من الدنيا لم يكونوا لله تعالى فيها من الذاكرين.

والعمر مهما امتد وطال ليس إلا لحظات زمنية عابرة، ولكنها فرص ثمينة، قد أفلح من اغتنمها وهو حازم عاقل، وقد خاب من أضاعها وهو واهم غافل، وإن الوقت في حياة المسلم أغلى وأثمن، لما يعلم من قيمته في دينه ودنياه، وقد اهتم به الإسلام، وأولاه عناية كبيرة، حسبكم أن الله تعالى أقسم في كثير من الآيات بظواهره المختلفة تنبيها إلى عظيم شأنه، بل ربط الإسلام كثيرا من العبادات والقربات بأوقات زمنية مخصوصة في الصلاة والزكاة، والصوم والحج، والنوافل والأذكار وغيرها، والإنسان مطلق الإنسان حريص على الحياة الدنيا، وحريص أن يطول عمره، ولو استطاع أن يخلد في الدنيا لفعل ولكن الله سبحانه وتعالى قهر العباد بالموت والفناء، فحرص الإنسان على طول حياته في هذه الحياة الدنيا بدون أن يتنبه إلى ما يكتسبه في هذه الحياة، قد يكون عليه طامة كبرى، لأن الإنسان إذا طال عمره وساء عمله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى