مقال

الدكرورى يكتب عن الجوع ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكرورى يكتب عن الجوع ” جزء 2″
بقلم / محمــــد الدكــــرورى

ونكمل الجزء الثاني مع الجوع، ولننظر جميعا إلى النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم عندما هاجر هو أصحابه إلى المدينه وإلى خلق المساواه، وكان خلق المواساة متقدما على كثير من الشرائع في الإسلام، وأكبر مظهر للمواساة ما عمله النبي صلى الله عليه وسلم فور هجرته إلى المدينة من المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، فعزم بعض الأنصار على الانخلاع من نصف أموالهم لإخوانهم، ودونت في سيرهم أعاجيب من آثار هذه المؤاخاة، ولم يكتف النبي صلى الله عليه وسلم بالمؤاخاة لترسيخ المواساة بين المؤمنين، بل كان يتحين الفرصة تلو الأخرى ليذكرهم بالمواساة، ويحثهم عليها، ويدعوهم إليها، ففي شأن المنائح التي تحلب، يدعو النبى الكريم صلى الله عليه وسلم إلى المواساة فيها لأن غذاء الناس عليها، فيقول صلى الله عليه وسلم ” ألا رجل يمنح أهل بيت ناقه تغدو بعس وتروح بعس إن أجرها لعظيم ” رواه مسلم.

ولم يكن الجوع في جزيرة العرب مقتصرا على عصر النبي صلى الله عليه وسلم بل استمر إلى ما بعد ذلك، ففي زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفى أواخر سنة السابع عشر هجريا حلت بالمسلمين مجاعة عظيمة في عام سمي بعام الرمادة، وقيل إن سبب تسميته بذلك لاسوداد الأرض من شدة القحط حتى أضحت كالرماد، أو لأن ألوان الناس اسودت من الجوع كالرماد، وقيل غير ذلك، ويقال أنه كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه، أبيض اللون فلما كان عام الرمادة وهي سنة المجاعة ترك أكل اللحم والسمن وأدمن أكل الزيت حتى تغير لونه، وكان قد أحمر فشحب لونه، وعن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال ” كانت الرمادة جوعا شديدا أصاب الناس بالمدينة وما حولها، حتى جعلت الوحوش تأوي إلى الإنس، وحتى جعل الرجل يذبح الشاة فيعافها من قبحها، وإنه لمقفر” رواه الطبرانى.

وفى عهد النبى صلى الله عليه وسلم وذات مرة رأى في الناس حاجة وكان وقت الأضاحي فنهاهم عن ادخار اللحم لأكثر من ثلاثة أيام، وما ذاك إلا ليواسوا غيرهم بما زاد عن حاجتهم ثلاثة أيام، ثم في العام القابل استغنى الناس فرخص لهم في ادخار اللحم كيف شاءوا، وقيل أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عس المدينة ذات ليلة عام الرمادة، فلم يجد أحدا يضحك، ولا يتحدث الناس في منازلهم على العادة، ولم ير سائلا يسأل، فسأل عن سبب ذلك، فقيل له يا أمير المؤمنين، إن السؤال سألوا فلم يعطوا، فقطعوا السؤال، والناس في هم وضيق فهم لا يتحدثون ولا يضحكون، ولنعلم جميعا إن هذه النعم التي بين يدينا زائلة لا محالة، وإن لم نحفظها ونقيدها بالشكر، وإن ما يحصل من كثير من الناس من عدم حفظ هذه النعم لهو أمر يندى له الجبين ومؤذن بخطر عظيم.

فقال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه “إن النعمة موصولة بالشكر” وقالت السيدة عائشة رضي الله عنها “ما من عبد يشرب الماء القَراح فيدخل بغير أذى ويُخرج الأذى إلا وجب عليه الشكر” ولنعلم جميعا أن إدخال السرور على المؤمن من أعظم القربات، ومواساة إخوانه له مما يدخل السرور عليه، لعلمه أنهم يحسون به، ويتألمون لألمه، ويخففون عنه مصابه، وكلما كانت المواساة في أمر ضروري كان وقعها على النفس أشد، فعن أبى هريره رضى الله قال، سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أى الأعمال أفضل ؟ قال أن تدخل على أخيك المؤمن سرورا، أو تقضى له دينا أو تطعمه خبزا ” رواه ابن أبي الدنيا، فأحيوا إخوانكم بفضول أموالكم، وتواصوا بمواساتهم فيما بينكم، فإن المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله، ومن تخلى عن إخوانه في محنتهم ليفترسهم الجوع والبرد والخوف.

فقد ظلمهم وأسلمهم وخذلهم، ويخشى أن تزول نعمته، وأن تعجل نقمته، وأن تبدل عافيته، واعلموا جميعا أن النبى الكريم صلى الله عليه وسلم قال فى دعائه ” اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع ” وإن من مظاهر الحضارة الاسلامية هو الرحمة بالضعفا والضعفاء هم الذين لا حول لهم ولا قوة لا يركَنون إلى مال، ولا يأوون إلى جاه، يعلمون حق العلم، وموقنون حق اليقين أن كفايتهم ورزقَهم ونصرهم من عند الله ككبار السن واصحاب الهمم الذين أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم بهم فقال “ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء” وليس هناك افضل مما فعلة امير المؤمنين عمر بن الخطاب مع احد الضعفاء من أهل الكتاب.

فقد روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أنه مر على باب قوم عليه شيخ ضرير يسئل الناس، فقال له من أي أهل الكتاب أنت؟ فقال يهودي، قال فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال أسأل الجزية والحاجة والسن، فاخذ عمر بيده وذهب إلى منزله وأعطاه شيئا منه، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال انظر إلى هذا وأشباهه فوالله ما أنصفناه إذ أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم، إنما الصدقات للفقراء والمساكين” فمن حق كبار السن علينا إكرامهم وتوقيرهم وتزيين صدور المجالس بهم، ومناداتهم بأحب الأسماء إليهم، والبشاشة في وجوههم، والعفو والصفح عن زلاتهم وهفواتهم، وذكر محاسنهم وأعمالهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى