مقال

الدكروري يكتب عن الإمام الفضيل بن عياض ” جزء 4″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام الفضيل بن عياض ” جزء 4″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

ونكمل الجزء الرابع مع الإمام الفضيل بن عياض، فلما قرأ الكتاب طوى البلاد حتى قدم عليه، فقال ما أقدمك ؟ قال خلعت قلبي بكتابك لا أعود إلى ولاية حتى ألقى الله، فبكى هارون بكاء شديدا فقال يا أمير المؤمنين إن العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم جاء إليه فقال أمرني، فقال له إن الإمارة حسرة وندامة يوم القيامة، فإن استطعت أن لا تكون أميرا فافعل، فبكى هارون وقال زدني، قال يا حسن الوجه أنت الذي يسألك الله عن هذا الخلق يوم القيامة، فإن استطعت أن تقي هذا الوجه من النار، فافعل وإياك أن تصبح وتمسي وفي قلبك غش لأحد من رعيتك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال “من أصبح لهم غاشا لم يرح رائحة الجنة” فبكى هارون وقال له عليك دين؟ قال نعم ، دين لربي، لم يحاسبني عليه، فالويل لي إن ساءلني والويل لي إن ناقشني.

والويل لي إن لم ألهم حجتي، قال إنما أعني من دين العباد، قال إن ربي لم يأمرني بهذا أمرني أن أصدق وعده وأطيع أمره، فقال عز وجل “وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون” وقرأ الآيات، فقال هذه ألف دينار خذها، فأنفقها على عيالك وتقو بها على عبادة ربك، فقال سبحان الله، أنا أدلك على طريق النجاة وأنت تكافئني بمثل هذا، سلمك الله ووفقك، ثم صمت فلم يكلمنا فخرجنا فقال هارون أبا عباس، إذا دللتني، فدلني على مثل هذا، هذا سيد المسلمين، فدخلت عليه امرأة من نسائه فقالت قد ترى ما نحن فيه من الضيق فلو قبلت هذا المال، قال إنما مثلي ومثلكم كمثل قوم لهم بعير يأكلون من كسبه، فلما كبر نحروه، فأكلوا لحمه، فلما سمع هارون هذا الكلام قال ندخل فعسى أن يقبل المال فلما علم الفضيل خرج فجلس في السطح على باب الغرفة.

فجاء هارون فجلس إلى جنبه فجعل يكلمه فلا يجيبه، فبينا نحن كذلك إذ خرجت جارية سوداء، فقالت يا هذا قد آذيت الشيخ منذ الليلة ، فانصرف فانصرفنا، وعن أبو إسحاق قال، قال الفضيل لو خيرت بين أن أعيش كلبا وأموت كلبا، ولا أرى يوم القيامة لاخترت ذلك، وقال فيض بن إسحاق سمعت الفضيل يقول والله لأن أكون ترابا أحب إلي من أن أكون في مسلاخ أفضل أهل الأرض وما يسرني أن أعرف الأمر حق معرفته إذا لطاش عقلي، وقال إسحاق بن إبراهيم الطبري سمعت الفضيل يقول لو قلت إنك تخاف الموت ما قبلت منك، لو خفت الموت ما نفعك طعام ولا شراب ولا شيء ما يسرني أن أعرف الأمر حق معرفته إذا لطاش عقلي ولم أنتفع بشيء، وعن عبد الصمد بن يزيد قال سمعت الفضيل يقول لا تجعل الرجال أوصياءك كيف تلومهم.

أن يضيعوا وصيتك وأنت قد ضيعتها في حياتك، وسمعته يقول إذا أحب الله عبدا أكثر غمه وإذا أبغض عبدا وسع عليه دنياه، وقال إبراهيم بن الأشعث سمعت الفضيل يقول من أحب أن يذكر لم يذكر ومن كره أن يذكر ذكر، وسمعته يقول وعزته لو أدخلني النار ما أيست وسمعته وقد أفضنا من عرفات يقول واسوأتاه والله منك وإن عفوت وسمعته يقول الخوف أفضل من الرجاء ما دام الرجل صحيحا، فإذا نزل به الموت فالرجاء أفضل، قلت وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله، وعن عباس الدوري قال حدثنا محمد بن عبدالله الأنباري قال سمعت فضيلا يقول لما قدم هارون الرشيد الى مكة قعد في الحجر هو وولده وقوم من الهاشمين وأحضروا المشايخ فبعثوا إليّ فأردت أن لا أذهب.

فاستشرت جاري فقال اذهب لعله يريد أن تعظه فدخلت المسجد فلما صرت إلى الحجر، قلت لأدناهم أيكم أمير المؤمنين ؟ فأشار اليه فقلت السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته فرد علي وقال اقعد، ثم قال إنما دعوناك لتحدثنا بشيء وتعظنا فأقبلت عليه فقلت يا حسن الوجه، حساب الخلق كلهم عليك، فجعل يبكي ويشهق فرددت عليه وهو يبكي حتى جاء الخادم فحملوني وأخرجوني وقال اذهب بسلام، وقال الذهبي وعنه يا مسكين أنت مسيء وترى أنك محسن وأنت جاهل وترى أنك عالم وتبخل وترى أنك كريم وأحمق وترى أنك عاقل أجلك قصير، وأملك طويل، قلت الذهبي إي والله صدق وأنت ظالم وترى أنك مظلوم وآكل للحرام وترى أنك متورع وفاسق وتعتقد أنك عدل وطالب العلم للدنيا وترى أنك تطلبه لله.

وقد أرسل ابن المبارك رساله إلى الفضيل بن عياض، حيث روى الحافظ ابن عساكر عن محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة قال أملي عليّ عبد الله بن المبارك هذه الأبيات بطرسوس وأنشدها إلى الفضيل بن عياض في سنة سبعين ومائة للهجرة قال فيها، يا عابد الحرمين لو أبصرتنا، لعلمت أنك في العبادة تلعب، من كان يخضب خده بدموعه، فنحورنا بدمائنا تتخضب، أو كان يتعب خيله في باطل، فخيولنا يوم الصبيحة تتعب، ريح العبير لكم ونحن عبيرنا، رهج السنابك والغبار الأطيب، ولقد أتانا من مقال نبينا، قول صحيح صادق لا يكذب، لا يستوي غبّار خيل الله في، أنف امرىء ودخان نار تلهب، هذا كتاب الله ينطق بيننا، ليس الشهيد بميت لا يكذب، وقال فلقيت الفضيل بن عياض بكتابه في المسجد الحرام، فلما قرأه ذرفت عيناه.

وقال صدق أبو عبد الرحمن ونصحني ثم قال أنت ممن يكتب الحديث ؟ قال قلت نعم، قال فاكتب هذا الحديث كراء حملك كتاب أبي عبد الرحمن إلينا وأملى عليّ الفضيل بن عياض، وتوفى الفضيل بن عياض في شهر محرم سنة مائة وسبعة وثمانون من الهجرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى