مقال

الدكروري يكتب عن الإلتزام سلوك إسلامي وحضاري ” جزء 1″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإلتزام سلوك إسلامي وحضاري ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

إن أدب المسلم ليس حكرا على أحد، وليس حصرا في جانب من الجوانب، إنه واسع الانتشار، حتى إن الإسلام ليوصي أهله به في كل حين وفي كل حال، ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم ” لا يؤمن أحدكم حتي يحب لأخية، أو قال لجارة ما يحب لنفسه” فسبحان الله العظيم حتى محبة إنسان لرفقته وجاره يكون الدين الإسلامي قد هذب تلك المشاعر الفياضة بالحنان، وسعة قبول أهل المنهج الواحد، وبهذا تنتشر المحبة والصفاء ويسود المجتمع روح التآلف والإخاء، وما أكمل هذا الدين، حين يجعل من أدب المسلم تحفة تتذاكرها الألسن بعد حين، وحين نرى ذاك المسلم يكسوه الحياء ويرتدي رداء الكرم، ويزينه كساء التواضع نقول حقا إن هذا لهو أدب المسلمين، وإن أكبر سبب من أسباب الفتور هو فقدان الجدية، فأنت ترى الجدية واضحة عند كثير من المسلمين في طلب الدنيا.

فهو إذا افتتح مصنعا أو شركة أو دكانا أو نحو ذلك فإنه يبذل أقصى جهده، ويستولي هذا العمل على جهده ليلا ونهارا، ويستولي عمله على كل قوته، وكل تفكيره، وكل إمكانياته، فهو يعيش وينام لهذا العمل الدنيوي، أما أهل الدين ففي الخذلان والكسل والتواني والإخلاد إلى الأرض والرغبة في الدعة والراحة، فمن يعملون لأجل جنة عرضها السموات والأرض متكاسلون فاترون، وإن أكثرنا يعمل لحساب نفسه، ونسي الله عز وجل الذي خلقه، فما هي وظيفتك في خدام الله؟ إن قلت لي لا شيء، فأنت أيضا،لا شيء، فإن لم يكن لك وظيفة عند ربك فلا نفع لك في هذه الدنيا، ولا قيمة لك عند الله سبحانه وتعالي، فإنما قيمة العبد عند الله تعالي حين يعظمه العبد، فيعظم الله في قلبه، وإذا عظم الله في قلبك فأبدا لا تطيق ولا تستطيع أن تجلس هكذا لا تدعو إلى طريق مولاك.

وإن كثرة المال وطيب العيش تسد مسالك العلم إلى النفوس، فلا تتجه النفوس إلى العلم مع الترف غالبا، فإن الغني قد يسهل اللهو ويفتح بابه، وإذا انفتح باب اللهو سد باب النور والمعرفة، فلذائذ الحياة وكثرتها تطمس نور القلب، وتعمي البصيرة، وتذهب بنعمة الإدراك، أما الفقير وإن شغله طلب القوت، فقد سدت عنه أبواب اللهو، فأشرقت النفس، وانبثق نور الهداية وهذه هي القضية أن الترف مفسد، وكثرة المال تلهي، فاللهم أعطنا ما يكفينا، وعافنا مما يطغينا، وللأسف الشديد الناس في هذا الزمان لا يطلبون ما يكفيهم، بل يطلبون ما يطغيهم، لا يكتفون بما يرضيهم بل يطلبون ما يعليهم، ومن أسباب ضعف الالتزام رواسب الجاهلية، فإن أكثرنا يدخل طريق الالتزام وفي داخلة نفسه رواسب من رواسب الجاهلية مثل حب الدنيا، والاعتزاز بالنفس، والآمال الدنيوية العريضة، وعدم قبول النصيحة.

وكثرة الأكل، وكثرة النوم، وكثرة الكلام، والناس قد ترفع من قيمة المسؤول وصاحب المنصب لمنصبه ولكرسيه ولعرشه، ولكن ميزان الله مختلف تماما مع موازين الخلق، فإن ميزان الله عز وجل يقدّر صاحب المنصب هذا إن أقام العدل وهو على منصبه واتقى ربه سبحانه وتعالى وإلا فلا قدر له عند الله ولا كرامة، مهما نفخ الناس فيه، ومهما لمّعوا له منصبه فإن جهنم بانتظاره، يأتيها مغلولة يداه إلى عنقه، لا ينفعه يومها إلا عدله وتقواه، وما قيمة طالب العلم والمدرس بدون التزام؟ وما قيمة الشهادات وأصحابها بدون التزام؟ وميزان الله يقول فيه، وأن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم” كان يقول اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ” وقال صلى الله عليه وسلم ” من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله تعالى لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة ”

فقد ندرس ونحصل على الشهادات، وقد نكون أساتذة أصحاب شهادات، لنا مكانتنا عند الخلق وفي موازينهم وهم معجبون بنا لمكانتنا العلمية، ولكن ميزان الله يقول بأن العالم الذي لا ينفعه علمه ولا يتقي الله في حياته العلمية والوظيفية، يحمل الشهادة ولكن لا يشهد له دينه ولا صلاته ولا ورعه ولا أمانته بأنه كان فيها على الصراط المستقيم، فإن هذا العالم وذلك المدرس وأولئك المتعلمون وأصحاب الشهادات هم كالحمار يحمل أسفارا، وتنتظرهم جهنم وهي أولى بهم من غيرهم، لأن أهل العلم هم الأولى بأن يتقوا الله تعالى، وما قيمة الموظف والتاجر والعامل بدون التزام؟ وميزان الله يقول ما قاله النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ” فإن من ترك صلاة مكتوبة متعمدا، فقد برئت منه ذمة الله” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله”

ففي موازين الناس قد تكون أيها الموظف وأيها التاجر مُغتبطا، ويتمنى بعض الناس مكانك، وتقدم لك التحيات، وتكال لك المدائح، ولكن في ميزان الله فرض واحد يفوتك تنخسف عند الله أسفل سافلين، فكيف أنت أيها الموظف الكبير وأيها التاجر الغني إذا كنت مهملا للصلاة، أو غاشا، أو آكلا للحرام، فما تظن قدرك في ميزان الله بعدها؟ وما قيمة أصحاب التنعم واللهو، أولئك الغارقون في عالم اللذائذ والشهوات والتمتع بالدنيا على حساب آخرتهم، ما قيمتهم وميزان الله تعالي يقول فيهم، كما في الحديث الصحيح،عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” يؤتي بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغه ثم يقال له يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول لا والله يا رب” فانظر فإنها صبغة واحدة، أي غطة واحدة، أي غمسة واحدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى