مقال

الدكروري يكتب عن أصحاب الكهف ” جزء 1″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن أصحاب الكهف ” جزء 1″
بقلم / محمــــد الدكــــرورى

إن سورة الكهف التي نقرؤها كل جمعة، هذه التي أرشد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من يريد الوقاية من فتنة الدجال إلى حفظ مطلعها، وأن يقرؤه على الدجال إذا خرج، وسميت السورة بأعجب ما فيها على عادة العرب في التسمية، واختيار الكلمة العجيبة اللافتة للنظر في تسمية قصائدهم، وهذا نزل بلسان عربي مبين، فإذا بالسورة تسمى بسورة الكهف، لماذا؟ لأنه ذكر فيها قصة أصحاب الكهف، فما هو الكهف؟ ومن هم أصحابه؟ ما هي القصة؟ فقد أخبر الله تعالى عن أصحاب الكهف أنهم كانوا فتية شبابا، وأن هؤلاء كان قدم إلى مدينتهم من يدعو إلى الإيمان بالله تعالى وبما جاء به نبي الله عيسى عليه السلام ممن كان على قدم الحواريين، فاستجاب لذلك الفتية وخلعوا الوثنية التي عليها قومهم، وفروا بدينهم خشية أن يفتنهم ملكهم عن دينهم أو يقتلهم، فاستخفوا عنه في الكهف.

واعتزلوا فيه يعبدون الله تعالى وحده، ثم روي أن الملك طلبهم فقيل دخلوا هذا الكهف، فقال قومهم لا نريد لهم عقوبة ولا عذابا أشد من أن نردم عليهم هذا الكهف، فبنوه عليهم ثم ردموه، ثم إن الله بعث ملكا على دين نبي الله عيسى عليه السلام، فرفع ذلك البناء الذي كان ردم عليهم، فقال بعضهم لبعض كم لبثتم؟ فقالوا لبثنا يوما أو بعض يوم حتى بلغ قولهم كما قال تعالي ” فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلي المدينة” والورق هنا يراد به العملة من الفضة، فأرسلوا أحدهم يأتيهم بطعام، فلما ذهب ليخرج رأى على باب الكهف شيئا أنكره، فأراد أن يرجع، ثم مضى حتى دخل المدينة، فأنكر ما رأى، ثم أخرج درهما فنظروا إليه فأنكروه وأنكروا الدرهم، وقالوا من أين لك هذا؟ فهذا من ورق غير هذا الزمان، واجتمعوا عليه يسألونه، فلم يزالوا به حتى انطلقوا به إلى ملكهم، فأخبرهم بأمره.

فاستبشروا به وبأصحابه، وقيل له انطلق فأرنا أصحابك، فانطلق وانطلقوا معه ليريهم، فدخل قبل القوم فضرب الله على آذانهم، وقال تعالي ” قال الذين غلبوا علي أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا” وقال الله تعالى موجها الخطاب لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ” أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا” والكهف هو الغار الواسع في الجبل، والرقيم قيل هو اسم كلبهم، وقيل هو لوح رقم فيه حديثهم وجعل على باب الكهف، فيقول تعالي ” إذ أوي الفتية إلي الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا” أي أووا إلى الكهف خوفا من إيذاء الملك لهم بسبب تركهم لعبادة الأوثان والذبح لها، فدعوا الله سبحانه وتعالى أن يؤتيهم من خزائن رحمته، وهي المغفرة والرزق والأمن من الأعداء، وأن ييسر لهم بسبب اختيارهم للكهف مقرا لمفارقتهم الكفر رشدا.

وهو توحيد الله وعبادته، فيقول تعالي ” فضربنا علي آذانهم في الكهف سنين عددا”أي أنمناهم نومة ثقيلة لا ينبههم صفير الخبر، ولا دعوة الداعي الخبير، وبقوا نائمين في الكهف سنين ذوات عدد كثير، ويقول تعالي ” ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصي لما لبثوا أمدا” أي أيقظناهم إيقاظا يشبه بعث الموتى، لنعلم أي الحزبين المختلفين في مدة نومهم أشد إحصاء أي إحاطة وضبطا لغاية مدة لبثهم نائمين، فيعلموا قدر ما حفظهم الله تعالى بلا طعام ولا شراب، وآمنهم من العدو، فيتم لهم رشدهم في شكر الله، وتكون لهم آية تبعثهم على عبادته، فقال تعالى ” نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدي” أي نقص عليك يا محمد قصتهم المطابقة للواقع والفتية هم الشباب، فهم أقبل للحق وأهدى للسبيل من الشيوخ الذين قد عتوا وانغمسوا في دين الباطل.

وقد قيل إنها مدينة يقال لها طرسوس من أعمال طرابلس الشام، وفيها من الآثار القديمة العهد في جبل بها، ما يزعم أهلها زعما متوارثا أنه لأصحاب الكهف وقد بيّن الله تعالى صبرهم على مخالفة قومهم ومدينتهم ومفارقة ما كانوا فيه من العيش الرغيد بقوله سبحانه ” وربطنا علي قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا” أي قوينا قلوبهم بالصبر على المجاهدة، وشجعناهم على الفرار بدينهم، والربط يأتي بمعنى الشد، فقالوا ربنا إله واحد هو الله، لن نعبد من دونه أحدا، ومعني شططا أي ذا بعد عن الحق مفرط في الظلم، ثم قالوا ” هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه إلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افتري علي الله كذبا” ثم خاطب بعضهم بعضا بقولهم ” وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلي الكهف ينشر لكم ربكم من رحمتة ويهيئ لكم من أمركم مرفقا”

أي يترك من بعثهم من إفراط ظلمهم وهو موجب بغضهم، واعتزلتم معبوداتهم غير الله، فإنهم كانوا يعبدونهم صراحة أو في ضمن معبوداتهم، فأووا إلى الكهف الذي لا يطلعون عليكم فيه فلا يؤذونكم، يعطيكم الله من رحمته، ويهيئ لكم مما تنتفعون به، ثم قال الله تعالى عنهم “وتري الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه، ذلك من آيات الله من يهدي الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا” ومعني تزاور أي تميل، فالشمس عند طلوعها تميل عن باب كهفهم جهة اليمين، وإذا غربت هبطت وعدلت عن سمت رؤوسهم إلى جهة الشمال، وهم في سعة من الكهف يصل إليهم الهواء من كل جانب دون أذى الشمس، ثم قال الله تعالى ” وتحسبهم أيقاظا وهم ركود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى