مقال

الدكروري يكتب عن الإمام يحيي بن معين ” جزء 3″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام يحيي بن معين ” جزء 3″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

ونكمل الجزء الثالث مع الإمام يحيي بن معين، ولقد طلب إلي خلف بن سالم أن أخبره بها فما عرفته وكان يحب أن يجد عليه، وقال يحيى ما رأيت على رجل خطأ إلا سترته، وأحببت أن أزين أمره، وما استقبلت رجلا في وجهه بأمر يكرهه، ولكن أبين له خطأه فيما بيني وبينه فإن قبل ذلك وإلا تركته، وقال يحيى إني لأحدث بالحديث فأسهر له مخافة أن أكون قد أخطأت فيه، وعن بن المرزبان قال لي أبو حاتم الرازي إذا رأيت البغدادي يحب أحمد بن حنبل، فاعلم أنه صاحب سنة، وإذا رأيته يبغض يحيى بن معين فاعلم أنه كذاب، وقال محمد بن هارون الفلاس إذا رأيت الرجل يقع في يحيى بن معين فاعلم أنه كذاب يضع الحديث وإنما يبغضه لما يبين من أمر الكذابين، وقال الدوري سئل يحيى بن معين عن الرءوس فقال ثلاثة بين اثنين صالح، كان احمد بن حنبل ويحيى بن معين.

تلميذين لشيخ الإسلام الحافظ الكبير أبو نعيم الفضل بن دكين، وهو أحد علماء الكوفة كان يعمل ويتكسب بالتجارة كأغلب علماء السلف لكن ذات يوم أراد يحيى بن معين ان يختبر معلمه وأخبر بذلك الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله بينما كان يسيران معا ذات يوم، فقال ابن معين أريد أن اختبر أبا نعيم، فقال أحمد لا ترد فالرجل ثقة، قال يحيى لا بد لي، وبالفعل عزم يحيى بن معين على اختباره، فتعمد ابن معين أن يدس له أحاديثا ليست من أحاديثه، ودخل عليه عرضهم عليه، فيقول الرمادي أخذ ورقة فكتب فيها ثلاثين حديثا وجعل على رأس كل عشرة منها حديثا ليس من حديثه ثم إنهم جاؤوا إلى أبي نعيم فخرج وجلس على دكان طين أي مكان مرتفع وأخذ أحمد بن حنبل فأجلسه عن يمينه ويحيى عن يساره وجلست أسفل الدكان، ثم أخرج يحيى الطبق فقرأ عليه عشرة أحاديث.

فلما قرأ الحادي عشر، قال أبو نعيم ليس هذا من حديثي اضرب عليه، ثم قرأ العشر الثاني وأبو نعيم ساكت فقرأ الحديث الثاني، فقال أبو نعيم ليس هذا من حديثي فاضرب عليه ثم قرأ العشر الثالث ثم قرأ الحديث الثالث فتغير أبو نعيم وانقلبت عيناه، ثم أقبل على يحيى فقال أما هذا، وذراع أحمد بيده فأورع من أن يعمل مثل هذا، وأما هذا أي يريدني فأقل من أن يفعل ذلك، ولكن هذا من فعلك يا فاعل، وأخرج رجله فرفس يحيى فرمى به من الدكان وقام فدخل داره فقال أحمد بن حنبل ليحيى ألم أمنعك وأقل لك إنه ثَبت، قال والله لرفسته لي أحب إليّ من سفرتي، وكان يحيى بن معين بعد ذلك يثني على صدقه وثباته فيما روي عنه، إذ قال ما رأيت أحدا أثبت من رجلين أبي نعيم وعفان، وكان يحيى بن معين يقدر الإمام أحمد ويعتبر الحديث عن فضائله من باب مجالس الذكر.

فقد كان يحيى بن معين في مجلس فيه جماعة من كبار العلماء، فجعلوا يثنون على أحمد بن حنبل ويذكرون فضائله، فقال رجل لا تكثروا، بعض هذا القول فقال يحيى بن معين وكثرة الثناء على أحمد بن حنبل تستكثر، لو جلسنا مجلسنا بالثناء عليه ما ذكرنا فضائله بكمالها، ذكر أبي عبد الله من محاسن الذكر وصاح يحيى بالرجل، ومن عادة الناس أن تقارن الصاحبين بعضهما ببعض، ويبدو أن ذلك وقع في المقارنة بين الإمام أحمد وبين يحيى بن معين، ولكن يحيى كان يقول أراد الناس منا أن نكون مثل أحمد بن حنبل، لا والله لا نقدر على أحمد، ولا على طريق أحمد، وبيّن الإمام ابن معين منهجه في نقد الرجال وبيان أحواله، فقال ما رأيت على رجل خطأ إلا سترته، وأحببت أن أزين أمره، وما استقبلت رجلا في وجهه بأمر يكرهه، ولكن أبين له خطأه فيما بيني وبينه.

فإن قبل ذلك، وإلا تركته، وبيّن كذلك اتقاءه الخطأ ودقته في الرواية فقال إني لأحدث بالحديث فأسهر له مخافة أن أكون قد أخطأت فيه، وقد يتبادر إلى الذهن أن يحيى بن معين رحمه الله نظرا لتصديه لتعديل الناس وتجريحهم وبيان مثالبهم، أنه رحمه الله كان غليظ القلب، يتعالي بعلمه أو صلاحه على الناس، ولكنه كان أبعد الناس عن ذلك، واعياً لمهمته الدقيقة والحرجة في تعديل الرجال وبيان أحوالهم، وكان يعلم أن ذلك محفوف بمخاطر كبيرة أقلها شبهة الغيبة، ولكنه أمر لا بد منه لحماية السنة النبوية من الكذابين والوضاعين، قال يحيى بن معين مبينا وعيه واحتسابه لما يقوم به إنا لنطعن على أقوام لعلهم قد حطوا رحالهم في الجنة من أكثر من مئتي سنة، ولأنه كشف كثيرا من الكذابين والمدلسين، كان مكروها عند جمع غفير منهم، وكان يحيى بن معين على جلالة قدره وهيبته، خفيف الروح مع أصحابه المقربين من المحدثين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى