مقال

الدكروري يكتب عن الإمام الشاطبي ” جزء 4″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام الشاطبي ” جزء 4″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

ونكمل الجزء الرابع مع الإمام الشاطبي، وكان السادس هو حمزة، وهو حمزة بن حبيب بن عمارة بن إسماعيل الزيات الفرضي التميمي مولى لهم ويكنى أبا عمارة وتوفي بحلوان في خلافة أبي جعفر المنصور سنة مائة وست وخمسين للهجرة، وراوياه هما خلف وخلاد، وكان الكسائي هو علي بن حمزة النحوي مولى لبنى أسد ويكنى أبا الحسن وقيل له الكسائي من أجل أنه أحرم في كساء وتوفي برنبوية قرية من قرى الري حين توجه إلى خراسان مع الرشيد سنة مائة وتسع وثمانين للهجرة، وقيل أن الشاطبي كان يصلي الصبح بالفاضلية ثم يجلس للإقراء فكان الناس يتسابقون إليه وكان إذا قعد لا يزيد على قوله من جاء أولا فليقرأ ثم يأخذ على الأسبق فالأسبق، فاتفق في بعض الأيام أن بعض أصحابه سبق أولا، فلما استوى الشيخ قاعدا قال من جاء ثانيا فليقرأ فشرع الثاني في القراءة.

وبقي الأول لا يدري حاله وأخذ يتفكر ما وقع منه بعد مفارقة الشيخ من ذنب أوجب حرمان الشيخ له ؟ ففطن أنه أذنب تلك الليلة ولشدة حرصه على التوبة نسي ذلك لما انتبه، فبادر إلى الشيخ فاطلع الشيخ على ذلك فأشار للثاني بالقراءة، ثم إن ذلك الرجل بادر إلى حمام جوار المدرسة، فاغتسل به ثم رجع قبل فراغ الثاني والشيخ قاعد على حاله وكان ضريرا، فلما فرغ الثاني قال الشيخ من جاء أولا فليقرأ فقرأ، وكما قيل أن من كراماته أنه كان يسمع الأذان من غير المؤذن وكان لا يظهر منه لذكاءه وفطنته ما يظهر من الأعمى في حركاته، ونقل الإمام القرطبي أن الإمام الشاطبي رحمة الله تعالى لما فرغ من تصنيفه طاف به حول الكعبة اسبوع كلما جاء في أماكن الدعاء، قال اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة، رب هذا البيت العظيم انفع بها كل من قرأها.

يعني هذا المتن باعتبار أنه قصيدة، وروي عنه أنه رأي النبي في المنام ، فقام بين يديه وسلم عليه وقدم القصيدة إليه وقال يا سيدي يا رسول الله انظر هذه القصيدة فتناولها النبي صلي الله عليه وسلم بيده المباركة وقال “هي مباركة، من حفظها دخل الجنة” زاد القرطبي قوله بل من مات وهي في بيته دخل الجنة، وذكر في إخلاص الشاطبي للعلم، أنه كان الشاطبي رحمة الله عليه قد كتب منظومته في قرطاس وجعل يطوف بها حول الكعبة مئات بل آلاف المرات ويقول يارب إن كنت قد قصدت بها وجهك فاكتب لها البقاء ولم يكتفي بهذا بل وضعها في قارورة وختم عليها وألقاها في البحر، ثم دعا الله تعالى أن يبقيها إن كان يريد بها وجهه تعالى، ودارت الأيام وإذا بصياد يصيد السمك ويجد القارورة بين السمك فيفتحها فيجد فيها ورقة فيها قصائد في القراءات فيقول في نفسه.

والله لايعلم بها إلا الإمام الشاطبي، سأذهب إليه واسأله عنها وحينما دخل على الإمام وذكر له ما وجد في البحر، فقال له الإمام افتحها واقرأ مافيها فبدأ الصياد يقراء وإذا بالصياد يقرا والإمام الشاطبي يبكي وحكى ما كان من شأنه، ولذلك نجد الآن وفي كل بقعة من ارض الإسلام طلاب علم من كل لون ولسان القرآن يحفظونها ويتعاهدونها وهي مشهورة جدا، لان صاحبها اخلص في عمله، وظل الشاطبي في القاهرة يقيم حلقته في مدرسته، ويلتف حوله تلاميذه النابهون من أمثال أبي الحسن على بن محمد السخاوي، وكان أنبغ تلاميذه، وانتهت إليه رئاسة الإقراء بعد شيخه، وأبي عبد الله محمد بن عمر القرطبي، وأبي عمرو عثمان بن عمر بن الحاجب، وغيرهم كثير، ولم تطل بالشاطبي الحياة، حيث توفي وعمره اثنان وخمسون عاما في الثامن والعشرين.

من شهر جمادي الآخر سنة خمسمائة وتسعين من الهجرة، الموافق العشرين من شهر يونيو لعام ألف ومائة وأربعة وتسعين ميلادي، ودفن في تربة القاضي الفاضل بالقرب من سفح جبل المقطم بالقاهرة، رحمه الله، وجزاه عما قدم لهذا العلم خير الجزاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى