مقال

الدكروري يكتب عن الإمام أبو ذر الهروي ” جزء 2″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام أبو ذر الهروي ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثاني مع الإمام أبو ذر الهروي، وكان على مذهب مالك ومذهب الأشعري، قلت أخذ الكلام ورأي أبي الحسن عن القاضي أبي بكر بن الطيب وبث ذلك بمكة وحمله عنه المغاربة إلى المغرب والأندلس وقبل ذلك كانت علماء المغرب لا يدخلون في الكلام بل يتقنون الفقه أو الحديث أو العربية ولا يخوضون في المعقولات وعلى ذلك كان الأصيلي، وأبو الوليد بن الفرضي وأبو عمر الطلمنكي ومكي القيسي وأبو عمرو الداني وأبو عمر بن عبد البر، والعلماء، وقد مدح إسماعيل بن سعيد النحوي أبا ذر بقصيدة، وقال أبو الوليد الباجي في كتاب اختصار فرق الفقهاء، من تأليفه في ذكر القاضي ابن الباقلاني، لقد أخبرني الشيخ أبو ذر وكان يميل إلى مذهبه، فسألته من أين لك هذا ؟ قال إني كنت ماشيا ببغداد مع الحافظ الدارقطني، فلقينا أبا بكر بن الطيب.

 

فالتزمه الشيخ أبو الحسن وقبل وجهه وعينيه فلما فارقناه، قلت له من هذا الذي صنعت به ما لم أعتقد أنك تصنعه وأنت إمام وقتك ؟ فقال هذا إمام المسلمين والذاب عن الدين هذا القاضي أبو بكر محمد بن الطيب، قال أبو ذر فمن ذلك الوقت تكررت إليه مع أبي، كل بلد دخلته من بلاد خراسان وغيرها لا يشار فيها إلى أحد من أهل السنة إلا من كان على مذهبه وطريقه، قلت هو الذي كان ببغداد يناظر عن السنة وطريقة الحديث بالجدل والبرهان وبالحضرة رءوس المعتزلة والرافضة والقدرية وألوان البدع، ولهم دولة وظهور بالدولة البويهية، وكان يرد على الكرامية، وينصر الحنابلة عليهم، وبينه وبين أهل الحديث عامر وإن كانوا قد يختلفون في مسائل دقيقة، فلهذا عامله الدارقطني بالاحترام، وقد ألف كتابا سماه الإبانة، يقول فيه فإن قيل فما الدليل.

 

على أن لله وجها ويدا ؟ قال قوله تعالي “ويبقى وجه ربك” وقوله تعالي “ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي” فأثبت الله تعالى لنفسه وجها ويدا، إلى أن قال فإن قيل فهل تقولون إنه في كل مكان ؟ قيل معاذ الله بل هو مستو على عرشه كما أخبر في كتابه، إلى أن قال وصفات ذاته التي لم يزل ولا يزال موصوفا بها الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام والإرادة والوجه واليدان والعينان والغضب والرضى، فهذا نص كلامه وقال نحوه في كتاب التمهيد، له وفي كتاب الذب عن الأشعري، وقال قد بينا دين الأمة وأهل السنة أن هذه الصفات تمر كما جاءت بغير تكييف ولا تحديد ولا تجنيس ولا تصوير، قلت فهذا المنهج هو طريقة السلف وهو الذي أوضحه أبو الحسن وأصحابه وهو التسليم لنصوص الكتاب والسنة وبه قال ابن الباقلاني وابن فورك والكبار إلى زمن أبي المعالي.

 

ثم زمن الشيخ أبي حامد، فوقع اختلاف وألوان، وكان لأبي ذر الهروي مصنف في الصفات على منوال كتاب أبي بكر البيهقي بحدثنا وأخبرنا، وقال الحسن بن بقي المالقي حدثني شيخ قال قيل لأبي ذر أنت هروي فمن أين تمذهبت بمذهب مالك ورأي أبي الحسن ؟ قال قدمت بغداد فذكر نحوا مما تقدم في ابن الطيب، قال فاقتديت بمذهبه، وقال عبد الغافر بن إسماعيل في تاريخ نيسابور كان أبو ذر زاهدا ورعا عالما سخيا لا يدخر شيئا وصار من كبار مشيخة الحرم مشارا إليه في التصوف وخرج على الصحيحين تخريجا حسنا وكان حافظا كثير الشيوخ، وعن أبو ذر أن بشر بن محمد المزني حدثهم إملاء، حدثنا الحسين بن إدريس حدثنا العباس بن الوليد الدمشقي حدثنا الوليد بن الوليد حدثنا ابن ثوبان عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.

 

قال “إن الجنة لتزخرف لرمضان من رأس الحول، فإذا كان أول يوم من شهر رمضان، هبت ريح من تحت العرش، فشققت ورق الجنة عن الحور العين” فقلن يا رب اجعل لنا من عبادك أزواجا تقر بهم أعيننا وتقر أعينهم بنا” وقيل أن الفقيه أبا عمران الفاسي مضى إلى مكة وقد كان قرأ على أبي ذر شيئا فوافق أبا ذر في السراة موضع سكناه فقال لخازن كتبه أخرج إلي من كتب الشيخ ما أنسخه ما دام غائبا فإذا حضر قرأته عليه فقال الخازن لا أجترئ على هذا ولكن هذه المفاتيح إن شئت أنت فخذ وافعل ذلك فأخذها وأخرج ما أراد فسمع أبو ذر بالسراة بذلك فركب وطرق مكة وأخذ كتبه وأقسم أن لا يحدثه، فلقد أخبرت أن أبا عمران كان بعد إذا حدث عن أبي ذر، يوري عن اسمه فيقول أخبرنا أبو عيسى وبذلك كانت العرب تكنيه باسم ولده، قلت قد مات أبو عمران الفاسي قبل أبي ذر.

 

وكان قد لقي القاضي ابن الباقلاني والكبار، وما لانزعاج أبي ذر وجه والحكاية دالة على زعارة الشيخ والتلميذ رحمهما الله، وكان ولده أبو مكتوم يحج من السراة ويروي إلى أن قدم فلان المرابط من أمراء المغرب، فجاور وسمع صحيح البخاري من أبي مكتوم وأعطاه ذهبا جيدا فأباعه نسخة الصحيح ، وذهب بها إلى المغرب وحج أبو مكتوم في سنة سبع وتسعين وأربعمائة وله بضع وثمانون سنة وحج فيها أبو طاهر السلفي وأبو بكر السمعاني وجمعهم الموقف فقال السمعاني للسلفي اذهب بنا نسمع منه قال السلفي فقلت له دعنا نشتغل بالدعاء ونجعله شيخ مكة، قال فاتفق أنه نفر من منى في النفر الأول مع السرويين وذهب وفاتهما الأخذ عنه قال السلفي فلامني ابن السمعاني فقلت أنت قد سمعت الصحيح مثله من أبي الخير بن أبي عمران صاحب الكشميهني.

 

وما كان معه من مروياته سواه، قلت ولم يسمع لأبي مكتوم بعد هذا العام بذكر ولا ورخ لنا موته، وقد أرخ القاضي عياض موت أبي ذر في سنة خمس وثلاثين وأربعمائة، والصواب أنه في سنة ربعمائة وأربعة وثلاثين من الهجرة، وقال أبو علي بن سكرة أنه توفي عقب شوال، وفي سنة ربعمائة وأربعة وثلاثين توفي أيضا شعيب بن عبد الله بن المنهال بمصر، وأبو طالب عمر بن إبراهيم الزهري وهارون بن محمد بن أحمد بن هارون في رمضان .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى