مقال

الدكروري يكتب عن الإمام محمد الغزالي ” جزء 6″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام محمد الغزالي ” جزء 6″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء السادس مع الإمام محمد الغزالي، وانتحال المبطلين، وتحريف الغالين، ومع هذا العبء الكبير في الدعوة، عُرف عن الشيخ اهتمامه بقضايا أخرى منها قضايا الأدب، فقد كان إنسانا يتذوق الشعر، يحفظ قديمه، ويتابع جديده، وكثيرا ما كان يعكس هذا الذوق في كتاباته الدعوية المختلفة، وحين كتب كتابه القيم مشكلات في طريق الحياة الإسلامية، تناول واقع الأدب ضمن المشكلات التي تعيق سبيل استئناف الحياة الإسلامية، ومن خلال عرضه المتميز لهذه القضية نستشف أنه يدعو إلى أمرين، أولهما الدعوة إلى الأدب الإسلامي الحي الذي يدافع عن أمجاد الإسلام، المنبعث من قيم الإسلام ومبادئه، وثانيهما الدعوة إلى رفض الأدب المنحرف بأشكاله كلها، ذلك أنه غاية يهدف إليها الاستعمار الثقافي، ودعاة الحداثة والتغريب، ويقول في سياق حديثه عن جوانب النهضة الأدبية.

 

إن هذه النهضة الأدبية المباركة كانت تبنى على المهاد الأول، وتصل من أمجاد المسلمين ما أضاعه التفريط والغدر، وظاهر أن محافظتها على التراث، وتقديسها للقيم الدينية، وولاءها العميق للغة العربية، أن ذلك كله ثابت لا يتزحزح لكن الاستعمار الثقافي لم ييأس، وعداوته للغة القرآن لم تفتر، إنه يريد القضاء على الإسلام، وأيسر السبل إلى ذلك القضاء على العربية وقواعدها وآدابها، وأظنه اليوم قد بلغ بعض ما يشتهي، فقد اختفى الأدب العربي الأصيل، وإذا وجدت كتابات بالحروف العربية فإنها وعاء لمعان مبتوتة الصلة بأصولنا الروحية والفكرية، وإن الشيخ الغزالي يربط بين النهضة الأدبية المباركة التي شهدها القرن الماضي وبداية هذا القرن، وبين المحافظة على قيم الإسلام وتراثه الزاخر، حيث كان الأدب في مجمله محافظا على إسلاميته وجذوره الدينية.

 

وبرر فشل الاستعمار الثقافي في محاولته تجفيف الروح الدينية في ميادين الأدب إلى تمسك أولئك الأدباء بأصولهم الدينية، ومنطلقاتهم الإسلامية، ولم ينجح الاستعمار الثقافي في غايته إلا حينما جّرد الأدب من روحه الإسلامي، فأصبح أدبا لا أصل له، وغدا أدبا منحرفا غريبا عن الثقافة الإسلامية، وهذا ما حفز الشيخ إلى الدعوة إلى رفضه فقال إذا كان الأدب مرآة أمة، ودقات قلبها، فإن المتفرس في أدب هذه الأيام العجاف لا يرى فيها ألبتة ملامح الإسلام ولا العروبة ولا أشواق أمة تكافح عن رسالتها، وسياستها القومية، وثقافتها الذاتية، ما الذي يراه في صحائف هذا الأدب، لا شيء إلا انعدام الأصل وانعدام الهدف، والتسول من شتى الموائد الأجنبية، وحيرة اللقيط الذي لا أبوة له، وإن الأدب المنحرف في أيامنا هذه هو فعلا مثل اللقيط الذي لا أبوة له، بالإضافة إلى ذلك.

 

هو كالشجرة الخبيثة التي قد تغري الناس بأوراقها الزاهية، ولكن طعمها كالعلقم، وأثرها في الأرض وإن فشا سينعدم، فيقول تعالي في سورة إبراهيم “ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار” وكما يُعد الشيخ من أبرز الدعاة المنافحين عن اللغة العربية في هذا العصر، فقد كان دائما يصيح بحرقة ويقول اللغة العربية في خطر، أدركوها قبل فوات الأوان، ويرى الشيخ أن اللغة العربية تهان الآن بوسائل مختلفة، وكما أن الشيخ الغزالي كان يتذوق الشعر ويحفظه، ويستشهد به في كلامه وفي كتاباته وفي مواقفه المختلفة، ومع أنه كان مولعا بالشعر القديم وبخاصة شعر المتنبي إلا أنه كان يحفظ أيضا الشعر الحديث وبخاصة شعر أحمد شوقي وكان يتابع كل جديد ينشر في مجال الأدب والشعر ويقرأ للمعاصرين له، ولكنه كان يمقت الشعر المرسل وما يسمى بقصيدة النثر.

 

وكان يرى فيه ميدانا يتبارى فيه كل عاجز، وقد برر موقفه النقدي هذا بقوله قد ظل العرب أقل من عشرين قرنا يصوغون شعرهم حسب البحور المأثورة عنهم، حتى جاء هذا العصر الأنكد بما يسمى الشعر المرسل، محاكاة للشعر الأوربي كما يقولون وأكرهتني الأيام على سماع هذا اللغو من بعض الإذاعات أو قراءته في بعض المجلات فماذا وجدت؟ تقطعا عقليا في الفكرة المعروضة كأنها أضغاث أحلام، أو خيالات سكران ثم يصب هذا الهذيان في ألفاظ يختلط هزلها وجدها، وقريبها وغريبها، وتراكيب يقيدها السجع حينا، وتهرب من قيوده أحيانا، ثم يوصف المشرف على هذا المخلوط الكيماوي المشوش بأنه شاعر، وقال في موضع آخر قد راقبت إنتاج ذوي الأسماء اللامعة في هذا الميدان المبتدع، فوجدت السمة الغالبة على هذا اللغو المسمى شعرا لا تتخلف أبدا.

 

التفكير المشوش أو اللا تفكير، والتعبير الذي يجمع الألفاظ بالإكراه من هنا ومن هنا، ويحاول وضعها في أماكنها، وتحاول هي الفرار من هذه الأماكن، وبعد رحلة طويلة من الكفاح والدعوة إلي الله توفي الإمام محمد الغزالي يوم السبت العشرين من شهر شوال لعام ألف وربعمائة وستة عشر هجرية، الموافق التاسع من شهر مارس عام ألف وتسعمائة وست وتسعين ميلادي، في الرياض في السعودية أثناء مشاركته في مؤتمر حول الإسلام وتحديات العصر الذي نظمه الحرس الوطني في فعالياته الثقافية السنوية المعروفة بالمهرجان الوطني للتراث والثقافة الجنادرية، ودفن بمقبرة البقيع بالمدينة المنورة، حيث كان قد صرح قبله بأمنيته أن يدفن هناك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى