مقال

الدكروري يكتب عن شهر الجهاد والصبر ” جزء 14″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن شهر الجهاد والصبر ” جزء 14″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الرابع عشر مع شهر الجهاد والصبر، فكم من رجل قال كلمة كفر، فكتب الله عليه بها سخطه وغضبه إلى يوم يلقاه، وإن من أنواع الكفر باللسان هو الاستهزاء والسخرية بهذا الدين, واسمع إلى ما جرى فى غزوة تبوك التي كان فيها النبى صلى الله عليه وسلم قائدا، فقد قام أناس يسيرون في قافلة النبى صلى الله عليه وسلم، فقالوا بألسنتهم عن أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم”ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء” أى أبو بكر, وعمر, وعثمان, وعلى, وأصحاب النبى صلى الله عليه وسلم “أرغب بطونا, ولا أجبن عند اللقاء” أى أن الصحابة لا يهمهم إلا الطعام, وكذلك هم جبناء في القتال، فهذه كلمة سخروا بها ممن رضي الله عنهم، فأنزل الله على النبى صلى عليه وسلم، وهو على ناقته فى سورة التوبة” قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهئزون، لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم”

 

وهذا هو انتصارا لأولياء الله, وأخذ الحق للصالحين، ثم إن هؤلاء القوم الذين تكلموا في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لحقوا بالنبى صلى الله عليه وسلم لما سمعوا الآية، فطلبوا منه أن يستغفر لهم، فكان جوابه ” أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهئزون” أى كنتم تسخرون وتضحكون، فكيف سيلاقى الله من إذا رأى الصالحين سخر من لباسهم أو من لحيتهم أو سواكهم؟ وكيف سيجد الله من يرى المرأة المتحجبة التي تحجبت طاعة لله، وحبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فحفظت نفسها, ولم تدنس شرفها، فيقول انظر إلى هذه الخيمة المتحركة، وكيف سيقابل الله من سخر من كتاب الله؟ أو سخر من رسول الله؟ وإن من الاستهزاء بالدين، هو الاستهزاء بأحكامه, كمن يبلغه حكم الله، فيقول كيف هذا؟

 

هذا لا يصلح, أو هذا غير صحيح, وهذا قول قديم, ورجعية، وتخلف، كلمة يهوى بها في نار جهنم سبعين خريفا، لذلك أرشد النبى صلى الله عليه وسلم أصحابه إذا وجدوا في قلوبهم شيئا من الشك مما قد يدور في خلجات النفوس، أن يستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم, ومن وسوسته ونفثه ونفخه، إذ أن هذا لا يستقيم مع الايمان، ومن آفات اللسان هو الغيبة، فقال الإمام مالك رحمه الله “أعرف أناسا لا عيوب عندهم تكلموا في أناس، فأوجد الناس لهم عيوبا، وأعرف أناسا عندهم عيوب، فسكتوا عن عيوب الناس، فسكت الناس عن عيوبهم” فمن تكلم في الناس تكلموا فيه، وقيل الغيبة، هي خيانة اللسان، وهى من صفات الفساق، فقال صلى الله عليه وسلم “من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة” رواه البخارى ومسلم، ومن ستر مسلما فى عرضه, أو ماله, أو جسده، أو بيته، أو أهله، أو بدنه.

 

أو في أي شيء قد يستنقص منه، ستره الله، ومن ستر جاره, أو مرؤوسه في العمل, أو موظفيه، أو أصدقائه، وإخوانه ومقربيه، ستره الله, وقال فى مقابل ذلك فيمن يتتبع عورة المسلم ليفضحه”يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته” رواه أحمد، وأبو داود، فالغيبة آفة لا يحيا بعض الناس إلا بها, فبعضهم إذا كان غنيا يسم الناس بالفقر, أو شجاعا يصف الناس بالذلة والجبن, فيكشف الله عورته، ولو أوصد نوافذ بيته، أو أغلق الأبواب، ولو فعل الأفاعيل، ومن الناس من هو كالذباب لا يقع إلا على العورات، والأوساخ وأقذر الأمور، فإن تتبع العورات قد يكون باللسان.

 

وقد يكون بكلمة عابرة تلقى على امرأة مسلمة لا يلقى لها بال، فتغضب الله، وإن من آفات اللسان أيضا هو كثرة الكلام في الدنيا، فقال صلى الله عليه وسلم “وكره لكم قيل وقال” رواه البخاري ومسلم، وقال صلى الله عليه وسلم “من كان يؤمن بالله واليوم والآخر، فليقل خيرا أو ليصمت” رواه البخاري ومسلم، فإن بعضهم لا يستطيع أن يصمت لحظة عن الكلام, فهو فى الشارع يتكلم، وفي العمل يتكلم من غير فائدة، لذلك قال سلمان الفارسى رضي الله عنه “أكثر الناس ذنوبا يوم القيامة، أكثرهم كلاما فى معصية الله عز وجل” وهو ليس من كلام النبى صلى الله عليه وسلم، بل هو موقوف على سلمان الفارسى، وهكذا فإن الغيبة، والنميمة, وشهادة الزور, وتتبع للعورات, والاستهزاء بالدين, والكلام في الصالحين, والاعتراض باللسان على أحكام الله, كل ذلك من آفات اللسان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى