مقال

الدكروري يكتب عن الإمام العز إبن عبد السلام ” جزء 13″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام العز إبن عبد السلام ” جزء 13″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثالث عشر مع الإمام العز إبن عبد السلام، ومن مؤلفاته هو الإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز، ويختصر أحيانا باسم مجاز القرآن، واختصره ابن النقيب في مقدمة تفسيره، وهو المطبوع خطأ بعنوان الفوائد المشوق إلى علوم القرآن وعلم البيان، منسوبا لابن قيم الجوزية، وقال دكتور زكريا سعيد علي، بأن ما تم نشره تحت عنوان الفوائد المُشوق، أو كنوز العرفان منسوبا إلى الإمام ابن قيم الجوزية هو في حقيقته مقدمة الشيخ ابن النقيب في علوم البلاغة، التي جعلها أمام تفسيره الكبير للقرآن الكريم، كما لخص السيوطي كتاب العز مع زيادات عليه، وسماه مجاز الفرسان إلى مجاز القرآن، ويعتبر كتاب العز هذا، مع كتابه قواعد الأحكام أهم كتبه على الإطلاق، ومن مؤلفاته أيضا هو أمالي عز الدين بن عبد السلام.

 

وهي تشمل الأمالي في تفسير بعض آيات القرآن الكريم، والأمالي في شرح بعض الأحاديث المنتقاة، والأمالي في مناقشة بعض المسائل الفقهية، وهذه الأمالي كان العز يلقيها في دروس تفسير القرآن الكريم، والحديث والسيرة والأخبار، وشرح حديث “لا ضرر ولا ضرار” وشرح حديث “أم زرع” الذي روته السيدة عائشة رضي الله عنها، ومختصر صحيح مسلم، وبداية السول في تفضيل الرسول، وساق فيه العز اثنين وثلاثين وجها لتفضيل النبي محمد صلي الله عليه وسلم، وهي تعداد الخصائص التي خصه الله بها، وأيضا قصة وفاة النبي صلي الله عليه وسلم، وترغيب أهل الإسلام في سكنى الشام وفيها بيان فضل الشام والترغيب بالسكن فيها، ومجلس ذم الحشيشية، والإيمان والعقيدة وعلم التوحيد، وكان العز بن عبد السلام يعتقد بعقيدة الأشاعرة من أهل السنة والجماعة.

 

وكان من المدافعين عنها الواقفين في وجه الفرق المخالفة لها، وقد خصص بعض الرسائل في بيان الإيمان والعقيدة، منها رسالة في علم التوحيد، الملحة في اعتقاد أهل الحق، وتسمى أيضا رسالة في العقيدة أو الاعتقاد، وقد كتبها للرد على الحنابلة الذين شنعوا على الإمام أبو الحسن الأشعري في صفات الله تعالى عامة وصفة الكلام خاصة، وهي التي رفعها الحنابلة للملك الأشرف وأدت إلى المحنة المعروفة التي وقعت به، وقد قدم العز فيها الحجج والأدلة والبراهين عليها، واقتصر على الأدلة النقلية من الكتاب والسنة، وترك الاحتجاج بالمعقول كمينا عند الحاجة إليه، على حد تعبيره، وأيضا الفرق بين الإسلام والإيمان، وهي جواب لسؤال، لذلك ورد بعضها في الفتاوى الموصلية وتكلم العز فيها عن زيادة الإيمان ونقصه، وهو رأي جمهور أهل السنة والجماعة.

 

وأيضا نبذة مفيدة في الرد على القائل بخلق القرآن، ووصية الشيخ عز الدين بن عبد السلام إلى ربه الملك العلام وهي رسالة صغيرة في العقيدة، وأحوال الناس يوم القيامة وذكر الخاسرين والرابحين منهم، وهي رسالة من ستين صفحة في العقيدة والزهد وفضائل الأعمال والتربية، ولما مرض العز وأحس بالموت، أرسل له الملك الظاهر بيبرس أن يعيّن أولاده في مناصبه، وأن يجعل ولده عبد اللطيف مكانه في تدريس المدرسة الصالحية، فقال العز ما يصلح لذلك، قال له فمن أين يعيش؟ قال من عند الله تعالى، قال له نجعل له راتبا؟ قال هذا إليكم، والحقيقة أن عبد اللطيف بن العز كان عالما فقيها ويصلح للتدريس، ولكن ورع العز وزهده منعه من جعل منصب التدريس وراثة لأولاده، قال الداودي وكان كل أحد يضرب به المثل في الزهد والعلم.

 

وحكى قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة أن العز لما كان بدمشق وقع مرة غلاء كبير حتى صارت البساتين تباع بالثمن القليل، فأعطته زوجته مَصاغا لها وقالت اشتر لنا به بستانا نصيف به، فأخذ ذلك المصاغ وباعه، وتصدق بثمنه، فقالت يا سيدي، اشتريت لنا؟ قال نعم، بستانا في الجنة، إني وجدت الناس في شدة فتصدقت بثمنه، فقالت له جزاك الله خيرا، ولما جاء أستاذ الدار الغرز خليل برسالة الملك الأشرف بدمشق للشيخ العز بعزله عن الإفتاء، وعدم الاجتماع بأحد ولزوم بيته، تقبل العز هذه الأمور بصدر رحب، واعتبرها هدية من الله تعالى، أجراها على يد السلطان وهو غضبان، وأنا بها فرحان، والله يا غرز، لو كانت عندي خلعة تصلح لك على هذه الرسالة المتضمنة لهذه البشارة، لخلعت عليك، ونحن على الفتوح، خذ هذه السجادة صلي عليها، فقبلها وقبلها.

 

وودعه وانصرف إلى السلطان، وذكر ما جرى بينه وبينه، فقال السلطان لمن حضره قولوا لي ما أفعل به؟ هذا رجل يرى العقوبة نعمة، اتركوه، بيننا وبينه الله، وقال ابن السبكي في حب العز للتصدق وحكي أنه كان مع فقره كثير الصدقات، وأنه ربما قطع من عمامته، وأعطى فقيرا يسأله إذا لم يجد معه غير عمامته، وتوفي العز بن عبد السلام في شهر جُمادى الأولى سنة ستمائة وستين للهجرة، الموافق عام ألف ومائتان واثنين وستين من الميلاد، باتفاق المؤرخين وعلماء التراجم، وقد بلغ ثلاثا وثمانين سنة من العمر، ولكن علماء التراجم والتاريخ اختلفوا في يوم وفاته، فنقل ابن السبكي عن عبد اللطيف بن العز أن وفاة الشيخ في تاسع جمادى الأولى، في سنة ستين وستمائة، وقال ابن السبكي بعد ذلك توفي في العاشر من جمادى الأولى سنة ستين وستمائة بالقاهرة.

 

وشك أبو شامة المقدسي قائلا إن وفاته كانت يوم الأحد عاشر جمادى الأولى أو الحادي عشر، ودفن العز بن عبد السلام يوم الأحد العاشر من جمادى الأولى قبيل الظهر، في آخر القرافة بسفح المقطم من ناحية البركة، وكان يوم دفنه مشهودا، وحضر جنازته الخاص والعام من أهل مصر والقاهرة، وشارك في الجنازة خلائق لا تحصى، وصلى عليه ملك مصر والشام الظاهر بيبرس، وقد تأثر الظاهر بيبرس من وفاة العز، وتأسف على موته أثناء دولته فقال لا إله إلا الله، ما اتفقت وفاة الشيخ إلا في دولتي، وشيّع أمراءه وخاصته وأجناده لتشييع جنازته، وحمل نعشه وحضر دفنه، كما تأثر عامة المسلمين بوفاة العز لفضله وعلمه ومواقفه، فخرجوا في جنازته، وأقيمت صلاة الغائب عليه في جميع ديار مصر وبلادها والبلاد الشامية إلى قاطع الفرات والبيرة والرحبة.

 

ثم بالمدينة المنورة ومكة المكرمة واليمن، وحزن أهل دمشق خاصة على ابنهم وعالمهم وقاضيهم، فصلوا عليه يوم الجمعة في الجامع الأموي وجوامع أخرى، ونادى النصير المؤذن بعد الفراغ من صلاة الجمعة، الصلاة على الفقيه الإمام، الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وعُمل العزاء للشيخ العز بجامع العقيبة المعروف الآن بجامع التوبة، وذلك يوم الاثنين الخامس والعشرين من شهر جمادى الأولى سنة ستمائة وستين من الهجرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى