مقال

الدكروري يكتب عن الاعتكاف ” جزء 4″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الاعتكاف ” جزء 4″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الرابع مع الاعتكاف، ولا تنشغل بعيوب الناس عن عيوبك، ولا تكثر النظر هنا وهناك في الغادي والرائح وتقول لو أن فلانا فعل كذا أو لو أن فلانا ترك كذا، بل حسبك نفسك وليسعك معتكفك وابك على خطيئتك إلا إذا رأيت مخالفة أو شيئا تريد التنبيه عليه أو كنت مربيا أو إماما فبادر، والضابط هو كل شيء يقربك من ربك فافعله، وكل خصلة من خصال الخير تقدر عليها ولا محذور فيها ينافي الاعتكاف فافعلها، وكما إن إحضارك للمساويك من البداية ليطبق الآخرون السنة في السواك عن طريقك خير عظيم، وكما أن جلبك للتمر لتفطر الصائمين فيه يوميا خير عظيم، وإيقاظك للآخرين وحرصك عليهم بما لا يشوش عليك وعليهم خير عظيم، وطرحك للفوائد العلمية أو الإيمانية في أثناء وجبات الطعام خير عظيم، وكما أن حرصك على الذكر آناء الليل وآناء النهار وفي كل وقت خير عظيم.

 

وكما أن كلمة تقولها لأحد إخوانك لا تطيل فيها وترفع فيها همته خير عظيم، وفي الاعتكاف ينبغي أن تحرص على أن لا تتحدث في أمور الدنيا أبدا ولذا اجتنب محادثة الناس قدر الإمكان، وانصرف بعد الصلاة مباشرة إلى معتكفك لا تعط الآخرين فرصة لأن يضيعوا وقتك فيما لا فائدة منه، وأوقات ضائعة ودقائق ثمينة قد تفوت على بعض المعتكفين وهو لا يشعر، فتلك هي أوقات الانتقال من مكان إلى مكان في المسجد أو وقت الإفطار، أو وقت الذهاب لدورات المياه والرجوع منها، وهذه الأوقات ومثلها معها،لا تفوت عليك بل استغل كل ثانية بالذكر والاستغفار، وليكن شعارك في الاعتكاف خاصة في الأوقات التي تجتمع فيها مع إخوانك قل خيرا أو اصمت، إن لم تجد خيرا تقوله فالصمت أولى بل ربما يكون أحيانا أولى وأفضل من بعض الخير وفيه تربية للنفس لا تخفى.

 

واحرص على أن تكون صامتا طوال اليوم إلا من ذكر الله وما والاه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتكلم بكلام لو عده العاد لأحصاه ، هذا في أيامه العادية فكيف في الاعتكاف ؟ وكما أن الاعتكاف فرصة للنفس للتقلل من الطعام، بل هو فرصة للتعود على الزهد، فما رأيك لو جعلت لنفسك يوما أو يومان أو ثلاثة لا تأكل فيها شيئا مما مسته النار، بل هما الأسودان، التمر والماء ؟ فإنك لو عزمت على نفسك وحزمت أمرك لاستطعت ذلك طوال العشر، ولم لا، فقدوتك وحبيبك محمد صلى الله عليه وسلم “كان يمر عليه الهلال تلو الهلال تلو الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين ولا يوقد في أبياته صلى الله عليه وسلم نار، فيقول “ما طعامكم قالت الأسودان التمر والماء” وكما إن في التقليل من الطعام ترقيق للقلب وإغزار للدمعة ونشاط في العبادة وخفة في النوم ومن جرب عرف، وكما يجب عليك أن تتخذ لنفسك في المسجد مكانا قصيا.

 

واجعل له مكانة وحرمة عند الآخرين كيلا يدخلوا عليك في أي وقت فيفسدوا عليك عبادتك وخلوتك بربك، وكما يجب عليك أن تنوع في العبادة، فلا تمنع نفسك من أي عبادة ترغبها، والوقت يناسبها، ولا تجبر نفسك على الانتقال من عبادة أنت فيها إلى عبادة أخرى لم تقبل النفس عليها بعد، وإذا كنت تقرأ القرآن مثلا وحضرت لديك فترة تدبر وتفكر، فتوقف عن القراءة وعش في أرجاء ما تتفكر فيه وإن كنت تقرأ عن الجنة فعش في نعيمها وتقلب فيه واطعم من ثمارها وانقل نفسك في جميع أوصافها التي ذكرها الله أو ذكرها رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم تأمل كثيرا ما الذي يوصلك إليها، وإن كنت تقرأ عن النار، فتوقف كذلك وعش في عذاب النار ومثل نفسك يقلب وجهك فيها وتسحب على وجهك وتجر من قدمك وتأكل من زقومها وتشرب من حميمها وترجو الخروج منها أو التخفيف ولو يوما واحدا.

 

ثم تأمل ما الذي ينجيك منها، وعش بين الرجاء والخوف، أو إن كنت تقرأ في الحساب العسير وعن ظهور الذنوب التي لم تحتسب وعن شهادة الأعضاء فعش معها كذلك، وتذكر ذنوبك واحدا واحدا إن استطعت أن تعدها، ثم اعزم على التوبة ولا تتردد، فإنك لو ذهبت ليلتك كلها في مثل هذا لم يكن كثيرا، بل هو خير، والرسول صلى الله عليه وسلم قد أمضى ليلة كاملة في ترداد قوله تعالى “إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم” وأبو حنيفة رحمه الله أمضى ليلة كاملة في قراءة سورة الزلزلة والتفكر فيها حتى أصبح، وإن رأيت نفسك مقبلة على الصلاة فأقبل عليها وإن رأيتها مقبلة على الذكر والتفكر فيه فلا تردها وهكذا، اجعلها تتقلب في أعمال الخير، ومن خير إلى خير، لكن انتبه لا يذهب وقتك في الهواجيس، فالهواجيس أصحابها مفاليس كما قال ابن القيم رحمه الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى