مقال

الدكروري يكتب عن العشر الآواخر والاعتكاف ” جزء 5″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن العشر الآواخر والاعتكاف ” جزء 5″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الخامس مع العشر الآواخر والاعتكاف، وقال ابن عبد البر “والاعتكاف هو في العشر الأواخر من رمضان سنة، وفي غير رمضان جائز” وقال أيضا”وأجمعوا أن سنة الاعتكاف المندوب إليها شهر رمضان كله أو بعضه وأنه جائز في السنة كلها إلا ما ذكرنا” وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه وترك الاعتكاف في رمضان حتى اعتكف العشر الأواخر من شوال “رواه البخاري، وعند مسلم “العشر الأول من شوال” ونوقش بأن أمره صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه إنما هو إجابة سؤال وليس أمرا ابتدائيا فلا يدل على المشروعية، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال “كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما”

 

فدل على أن غير العشر محل لشرعية الاعتكاف، وكذلك ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان مقيما يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، فإذا سافر اعتكف من العام المقبل عشرين” ولما روى أبي بن كعب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم “كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان فسافر ولم يعتكف فلما كان من العام المقبل اعتكف عشرين” ووجه الدلالة هو أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف عشرين يوما فدل على مشروعية الاعتكاف في غير العشر، وليس هذا قضاء للاعتكاف، إذ لو كان قضاء لبادر به صلى الله عليه وسلم، كما هو هدية صلى الله عليه وسلم، وكذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في اشترطاه الصوم أو عدم اشترطاه لصحة الاعتكاف، وما ورد عن الصحابة رضي الله عنه في اشتراطه الصوم للاعتكاف أو عدم اشتراطه.

 

وهذا مما يدل على شرعية الاعتكاف كل وقت غير رمضان والعشر، إذ العشر لا تكون إلا في رمضان، ورمضان يجب صومه فلو لم يشرع إلا في رمضان أو العشر لم يكن حاجة إلى القول باشتراطه الصوم أو عدمه، ولأن المقصود من الاعتكاف جمع القلب على الله تعالى بالاعتكاف والإقبال عليه والإعراض عما عداه، وهذا حاصل كل وقت، لكن يتأكد في بعض العبادات وله نظير من سائر العبادات تشرع كل وقت وتتأكد في بعض الأوقات، ودليل الرأي الثاني والثالث هو حديث السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم “كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه” فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يعتكف إلا في رمضان في العشر الأخير منه حتى توفاه الله، وينقسم الاعتكاف إلى قسمين، فالقسم الأول هو الاعتكاف المسنون، وهذا هو الأصل في الاعتكاف.

 

وقال ابن المنذر “وأجمعوا على أن الاعتكاف سنة لا يجب على الناس فرضا إلا أن يوجبه المرء على نفسه نذرا فيجب عليه” وذلك لما تقدم من أدلة مشروعية الاعتكاف، وأما القسم الثاني فإن الاعتكاف الواجب، حيث يجب الاعتكاف بالنذر إجماعا، ولحديث السيدة عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه” ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما “أن عمر رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام قال “أوف بنذرك” ولكن هل يجب الاعتكاف بالشروع فيه؟ وهو أن فيه قولان لأهل العلم، فالقول الأول وهو أنه لا يجب بالشروع فيه، وهو قول جمهور أهل العلم، والقول الثاني وهو أنه يجب بالشروع فيه، وهذا هو المشهور عند المالكية.

 

وقال شيخ الإسلام “فإن قيل إذا كان له الخروج منه، ثم له أن يدخل فيه متى شاء فما معنى قولهم يحرم على المعتكف كذا، ويجب عليه كذا؟ قيل له فوائد فإحداها وهو أن المحرمات في الاعتكاف من المباشرة والخروج من المسجد لغير حاجة، إنما له أن يفعلها إذا نوى ترك الاعتكاف، فيكون فعله على وجه الترك للاعتكاف، فلا يكون حين فعله معتكفا، أما أن يستديم نية الاعتكاف ويفعل ذلك فلا يحل له ذلك، بل يكون قد اتخذ آيات هزوا، ويكون بمنزلة الحائض إذا أمسكت تعتقد الصوم صحيحا وبمنزلة ما لو تكلم أو أحدث في الصلاة مع بقاء اعتقاد الصلاة، وهذا لأن العبادة التي ليست واجبة إذا أراد أن يفعلها، فإنه يجب أن يفعلها على الوجه المشروع، وليس أن يخل بأركانها وشروطها وإن كان له تركها بالكلية، والثانية وهو أنه إذا فعل ما ينافيه من خروج ومباشرة انقطع الاعتكاف، فلو أراد أن يعود إليه كان اعتكافا ثانيا يحتاج إلى تجديد نية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى