مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن عبد البر ” جزء 5″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام إبن عبد البر ” جزء 5″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الخامس مع الإمام إبن عبد البر، وكما قال “استعمال خبر الواحد وقبوله وإيجاب العمل به أوضح وأقوى ما نرى من جهة الآثار في قبول خبر الواحد فالقول بأن الواحد لا يجب قبول خبره وإنما يجب قبول خبر الكافة قول ما أعظم ضلال من قال به، والله عز وجل يقول في سورة الحجرات ” يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا” وقرئت “فتثبتوا” فلو كان العدل إذا جاء بنبأ يتثبت في خبره ولم ينفذ لاستوى الفاسق والعدل، وهذا خلاف القرآن” وقال “أهل الفقه والأثر كلهم يدين بخبر الواحد العدل في الاعتقادات، ويعادي ويوالي عليها، ويجعلها شرعا ودينا في معتقده على ذلك جماعة أهل السنة” وأما عن تعريف ابن عبد البر للبدعة وذمه لها وللمبتدِعة وأمره بهجر أهل البدع، فيقول “البدعة في لسان العرب اختراع ما لم يكن وابتداؤه فما كان من ذلك في الدين خلافا للسنة التي مضى عليها العمل.

 

فتلك بدعة لا خير فيها، وواجب ذمها والنهي عنها والأمر باجتنابها وهجران مبتدعها إذا تبين له سوء مذهبه، وما كان من بدعة لا تخالف أصل الشريعة والسنة فتلك نعمت البدعة كما قال عمر لأن أصل ما فعله سنة، وأما ابتداع الأشياء من أعمال الدنيا فهذا لا حرج فيه ولا عيب على فاعله” وتعليقا على حديث كعب بن مالك رضي الله عنه المشهور حول غزوة تبوك والتخلف عنها، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهجر من تخلفوا حتى أنزل الله توبتهم لصدقهم، يقول ابن عبد البر “وهذا أصل عند العلماء في مجانبة من ابتدع، وهجرته، وقطع الكلام معه” وأما عن موقف ابن عبد البر من أهل الكلام وإخراجه لهم من طبقة العلماء وبيانه من هم العلماء فيقول أبو عمر ابن عبد البر”أجمع أهل الفقه والآثار من جميع الأمصار أن أهل الكلام أهل بدع وزيغ، ولا يُعدون عند الجميع في جميع الأمصار في طبقات العلماء.

 

وإنما العلماء أهل الأثر والتفقه فيه ويتفاضلون فيه بالإتقان والميز والفهم” وأما عن كلام ابن عبد البر من اتخاذ القبور مساجد ومحبة النبي مخالفة بالكفار، وهو تعليقا على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه ” قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد” فيقول ابن عبد البر رحمه الله في هذا الحديث إباحة الدعاء على أهل الكفر، وتحريم السجود على قبور الأنبياء، وفي معنى هذا أنه لا يحل السجود لغير الله عز وجل، ويحتمل الحديث أن لا تجعل قبور الأنبياء قبلة يصلى إليها، وكل ما أحتمله الحديث في اللسان العربي فممنوع منه لأنه إنما دعا على اليهود محذرا لأمته صلى الله عليه وسلم من أن يفعلوا فعلهم” وتعليقا على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم “اللهم لا تجعل قبري وثنا يُعبد اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد” رواه مالك.

 

فيقول ابن عبد البر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر أصحابه وسائر أمته من سوء صنيع الأمم قبله الذين صلوا إلى قبور أنبيائهم واتخذوها قبلة ومسجدا كما صنعت الوثنية بالأوثان التي كانوا يسجدون إليها ويعظمونها وذلك الشرك الأكبر فكان النبي صلى الله عليه وسلم يخبرهم بما في ذلك من سخط الله وغضبه وأنه مما لا يرضاه خشية عليهم امتثال طرقهم، وكان صلى الله عليه وسلم يحب مخالفة أهل الكتاب وسائر الكفار، وكان يخاف على أمته اتباعهم ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم على جهة التعيير والتوبيخ ” لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا شبرا وذراعا بذراع حتي لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم” رواه البخاري ومسلم، وقال إبن عبد البر”يحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء والصالحين مساجد” وأما عن خلق الله تعالى للخير والشر، فيقول ابن عبد البر”الشر والخير كل من عند الله وهو خالقهما لا شريك له ولا إله غيره”

 

ونقل ابن عبد البر الإجماع على أن الإيمان قول وعمل، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فيقول ابن عبد البر “أجمع أهل الفقه والحديث على أن الإيمان قول وعمل، ولا عمل إلا بنية، والإيمان عندهم يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، والطاعات كلها عندهم إيمان” وقال “سائر الفقهاء من أهل الرأي والآثار بالحجاز والعراق والشام ومصر، منهم مالك بن أنس والليث بن سعد وسفيان الثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد القاسم بن سلام وداود بن علي وأبو جعفر الطبري، ومن سلك سبيلهم قالوا الإيمان قول وعمل قول باللسان وهو الإقرار، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح، مع الإخلاص بالنية الصادقة قالوا وكل ما يطاع الله عز وجل به من فريضة ونافلة فهو من الإيمان، والإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي” وأما عن حكم مرتكب الكبيرة، فقال.

 

“فإن مات صاحب الكبيرة فمصيره إلى الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه فإن عذبه فبجرمه، وإن عفا عنه فهو أهل العفو وأهل المغفرة، وان تاب قبل الموت وقبل حضوره ومعاينته وندم واعتقد أن لا يعود واستغفر ووجل كان كمن لم يذنب” وأما عن عدالة الصحابة، فيقول ابن عبد البر “لا فرق بين أن يُسمي التابع الصاحب الذي حدثه أو لا يسميه في وجوب العمل بحديثه لأن الصحابة كلهم عدول مرضيون ثقات أثبات، وهذا أمر مجتمع عليه عند أهل العلم بالحديث” ورد ابن عبد البر على من زعم خروج النبي صلى الله عليه وسلم من قبره وكلامه له، وقال “ويحك أترى هذا أفضل من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار؟ فهل في هؤلاء من سأل النبي صلى الله عليه وسلم بعد الموت وأجابه؟ وقد تنازع الصحابة في أشياء، فهلا سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فأجابهم؟

 

وهذه ابنته فاطمة تنازع في ميراثه فهلا سألته فأجابها؟ فقال رحمه الله ذلك لمن يظن أنه حين يأتي إلي قبر النبي صلى الله عليه وسلم يخرج من قبره في صورته فيكلمه، وظن هذا من كراماته، وتوفي ابن عبد البر في آخر شهر ربيع الآخر من عام ربعمائة وثلاث وستين من الهجرة، بشاطبة، عن عمر يناهز خمسة وتسعين عاما،وصلى عليه أبو الحسن طاهر بن مفوز المعافري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى