مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن هبيرة ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام إبن هبيرة ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثاني مع الإمام إبن هبيرة، وتم طبعه باسم الإفصاح عن معاني الصحاح، وهو كتاب مهم، ولكنه في الحقيقة قطعة من الكتاب الأصلي في شرح الصحيحين، وهذا الكتاب صنفه في ولايته للوزارة، واعتنى به، وجمع عليه أئمة المذاهب، فكان يعرف آراء المذاهب من أصحابها، وأوفدهم من البلدان لأجل هذا الكتاب، وحضروا عنده، وأنفق على تأليف ذلك الكتاب مائة ألف دينار يدخل فيها نفقات العلماء الذين رحلوا واجتمعوا وتباحثوا في هذا الكتاب، وتكلم بهذا الكتاب، واجتمع خلق عظيم لسماعه، وبُعث به إلى العظماء في أطراف المملكة الإسلامية، واستنسخت منه نسخ كثيرة، وبلغ ذلك الكتاب إلى السلطان نور الدين الشهيد، واشتغل الفقهاء في ذلك الزمان بكتاب الإفصاح عن معاني الصحاح يدرسونه في المساجد، ويعيده المعيدون، ويحفظ منه الفقهاء.

 

ومن مؤلفاته هو كتاب المقتصد، وهو كتاب في النحو، ومختصر كتاب وهو اصلاح المنطق لابن السكيت، والعبادات الخمس وهو كتاب في مذهب الإمام أحمد، وأرجوزات في المقصور والمدود وأرجوزة في الخط، واختلاف الأئمة العلماء، وقد تم استدعاء ابن هبيرة من قبل الخليفة محمد المقتفي لأمر الله العباسي إلى داره وقلده الوزارة، ومشى أرباب الدولة وأصحاب المناصب كلهم بين يديه وهو راكب إلى الإيوان في الديوان، وكان يوما مشهودا، وكان ذلك تقليدا عظيما لمن يتولى الوزارة، ولكن الرجل لما بلغ ذلك المنصب لم يفسد، ولم ينشغل بأمور الدنيا، ولم يترك طلب العلم، وهذا درس عظيم جدا يؤخذ من حياة هذا الإمام، بل إن أخلاقه قد ازدادت بعد توليه الوزارة، وكان يقول بعد توليه الوزارة لا تقولوا في ألقابي، سيد الوزراء، لماذا نهاهم عن تسميته بسيد الوزراء؟ قال لأن الله سمى هارون وزيرا.

 

وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن وزيريه من أهل السماء جبريل، وميكائيل، ومن أهل الأرض أبو بكر، وعمر، فإذا قيل سيد الوزراء، قد يتوهم دخول هارون، وأبي بكر، وعمر في هؤلاء الوزراء، ولا يمكن أن يكون سيدا لهم، ولا يجوز أن يكون كذلك، فكان يتنبه حتى لهذه المسائل، وكان متواضعا تعالى، لم يشغله أو يطغه المنصب، بل كان ملتزما لجانب التواضع، وقال إن النبي صلى الله عليه وسلم قال “إن الله اختارني، واختار لي أصحابا، فجعلهم وزراء وأنصارا” ويقول الوزير ابن هبيرة ولا يصلح أن يقال عني إني سيد هؤلاء السادة، واستمر في المنصب حتي خلافة يوسف المستنجد بالله العباسي، وقال ابن الجوزي كان يجتهد في اتباع الصواب ويحذر من الظلم ولا يلبس الحرير، قال لي لما رجعت من الحلة، دخلت على المقتفي، فقال لي ادخل هذا البيت وغير ثيابك، فدخلت فإذا خادم وفراش معهم خلع الحرير.

 

فقلت والله ما ألبسها فخرج الخادم فأخبر الخليفة، فسمعت صوته يقول قد والله قلت إنه ما يلبسه، وكان المقتفي معجبا به ولما استخلف المستنجد، دخل ابن هبيرة عليه فقال يكفي في إخلاصي أني ما حابيتك في زمن أبيك، فقال صدقت، قال وقال مرجان الخادم سمعت المستنجد بالله ينشد وزيره وقد قام بين يديه في أثناء مفاوضة ترجع إلى تقرير قواعد الدين والصلاح، وأنشده لنفسه، ضفت نعمتان خصتاك وعمتا فذكرهما حتى القيامة يذكر وجودك والدنيا إليك فقيرة، وجودك والمعروف في الناس ينكر، فلو رام يا يحيى مكانك جعفر، ويحيى لكفا عنه يحيى وجعفر ولم أري من ينوي لك السوء يا أبا المظفر إلا كنت أنت المظفر، وقال ابن الجوزي وكان مبالغا في تحصيل التعظيم للدولة، قامعا للمخالفين بأنواع الحيل، حسم أمور السلاطين السلجوقية وقد كان آذاه شحنة في صباه فلما وزر، استحضره وأكرمه.

 

وكان يتحدث بنعم الله، ويذكر في منصبه شدة فقره القديم، وقال نزلت يوما إلى دجلة وليس معي رغيف أعبر به، وكان يكثر مجالسة العلماء والفقراء، ويبذل لهم الأموال فكانت السنة تدور وعليه ديون، وقال ما وجبت علي زكاة قط، وكان إذا استفاد شيئا من العلم قال أفادنيه فلان وقد أفدته معنى حديث، فكان يقول أفادنيه ابن الجوزي، فكنت أستحيي وجعل لي مجلسا في داره كل جمعة، ويأذن للعامة في الحضور، وكان بعض الفقراء يقرأ عنده كثيرا فأعجبه وقال لزوجته أريد أن أزوجه بابنتي، فغضبت الأم وكان يقرأ عنده الحديث كل يوم بعد العصر، فحضر فقيه مالكي فذكرت مسألة، فخالف فيها الجمع وأصر، فقال الوزير أحمار أنت، أما ترى الكل يخالفونك ؟ فلما كان من الغد، قال للجماعة إنه جرى مني بالأمس في حق هذا الرجل ما لا يليق، فليقل لي كما قلت له، فما أنا إلا كأحدكم، فضج المجلس بالبكاء.

 

واعتذر الفقيه، قال أنا أولى بالاعتذار، وجعل يقول القصاص القصاص، فلم يزل حتى قال يوسف الدمشقي إذ أبى القصاص فالفداء، فقال الوزير له حكمه، فقال الفقيه نعمك علي كثيرة فأي حكم بقي لي ؟ قال لا بد، قال علي دين مائة دينار فأعطاه مائتي دينار وقال مائة لإبراء ذمته، ومائة لإبراء ذمتي، وقال ابن الجوزي كان الوزير يتأسف على ما مضى ويندم على ما دخل فيه ولقد قال لي كان عندنا بالقرية مسجد فيه نخلة تحمل ألف رطل فحدثت نفسي أن أقيم في ذلك المسجد، وقلت لأخي مجد الدين أقعد أنا وأنت وحاصلها يكفينا ثم انظر إلى ما صرت، ثم صار يسأل الله الشهادة، ويتعرض لأسبابها، وفي ليلة ثالث عشر جمادى الأولى سنة ستين وخمسمائة استيقظ وقت السحر، فقاء، فحضر طبيبه ابن رشادة، فسقاه شيئا، فيقال إنه سمه فمات وسقي الطبيب بعده بنصف سنة سما، فكان يقول سقيت فسقيت، فمات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى