مقال

الدكروري يكتب عن هيا نودع رمضان ” جزء 12″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن هيا نودع رمضان ” جزء 12″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

ونكمل الجزء الثاني عشر مع هيا نودع رمضان، وأن النفوس لم تذق حلاوة الطاعة ولا المناجاة، وأن الإيمان ما يزال في النفوس ضعيفا وأن التعلق بالله عز وجل لا يزال واهنا، فإن غدا توفى النفوس ما كسبت، و يحصد الزارعون ما زرعوا، فإن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم، و إن أساءوا فبئس ما صنعوا، فلا تكونوا كالتى نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، وقال أهل التفسير بأن المرأة المقصودة في الآية الكريمة هى امرأة عاشت في زمن ما قبل الإسلام وهى فترة الجاهلية واسمها رابطة أو رايطة أو ريطة من بني تميم، وكانت امرأة تلقب بالجعراء أو الجعرانة، وإليها ينتسب الموضع المسمى بالجعرانة بين مكة المكرمة والطائف، وهو ميقات للإحرام، وإلى جانب ذلك كانت تسمى بخرقاء مكة، ويضرب بها المثل في الحمق، فما قصة حمقها؟ فلقد كانت هذه المرأة تجتمع كل يوم، هي ومجموعة من الجوارى والعاملات لديها.

فتأمرهن بالعمل على غزل ونسج الصوف والشعر ونحوهما، ثم إذا انتصف النهار وانتهين من أداء عملهن في الغزل أمرتهن بنقضه، أى إفساد ما غزلنه وإرجاعه أنكاثا، بمعنى أنقاضا أو خيوطا، وذلك بإعادة تقطيع الغزل إلى قطع صغيرة، ثم تنكث خيوطها المبرومة، فتخلط بالصوف أو الشعر الجديد وتنشب به، ثم تضرب بالمطارق أو ما شابه، على أن يقمن بغزله مجددا في اليوم التالي, وهكذا، تجهد هذه المرأة نفسها وعاملاتها بالعمل ثم تفسده بحمقها وخراقتها، وقال ابن رجب بعض السلف كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم شهر رمضان ثم يدعون الله ستة أشهر أن يتقبله منهم، وقيل أنه خرج الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رحمه الله في يوم عيد فطر فقال في خطبته أيها الناس إنكم صمتم لله ثلاثين يوما وقمتم ثلاثين ليلة وخرجتم اليوم تطلبون من الله أن يتقبل منكم.

وكان بعض السلف يظهر عليه الحزن يوم عيد الفطر فيقال له إنه يوم فرح و سرور فيقول صدقتم ولكني عبد أمرني مولاى أن أعمل له عملا فلا أدري أيقبله مني أم لا ؟ وقيل رأى وهب بن الورد قوما يضحكون في يوم عيد فقال إن كان هؤلاء تقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الشاكرين وإن كان لم يتقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الخائفين، وعن الحسن قال إن الله جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته فسبق قوم ففازوا وتخلف آخرون فخابوا فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون، وقيل أنه سُجن الإمام البويطى صاحب الشافعي ووُضع الغُلّ في عنقه، والقيد في رجليه، وكان يقول لأموتن في حديدى هذا، حتى يأتي قوم يعلمون أنه قد مات في هذا الشأن قوم في حديده، وكان البويطي وهو في الحبس يغتسل كل جمعة، ويتطيب، ويغسل ثيابه.

ثم يخرج إلى باب السجن إذا سمع النداء، فيردّه السجان، فيقول البويطى اللهم إني أجبت داعيك فمنعوني، وكتب البويطي إلى الذهلى يقول له أسألك أن تعرض حالي على إخواننا أهل الحديث، لعل الله يُخلصني بدعائهم، فإني في الحديد، وقد عجزت عن أداء الفرائض من الطهارة والصلاة، فضجّ الناس بالبكاء والدعاء له، ولقد كان الصوم لك فى رمضان جُنة ووقاية وحصنا حصينا من شياطين الإنس والجن، فهل تأمن على نفسك بقية العام بلا حصن ولا عُدة، فالصوم باقى بقاء العام فطب نفسا بمواسم الصيام، وقاوم الشيطان طوال العام, فلو أخلصت النية في ذلك حفظك الله منه, فحكي عن بعض السلف أنه قال لتلميذه ما تصنع بالشيطان إذا سول لك الخطايا ؟ قال أجاهده، قال فإن عاد ؟ قال أجاهده، قال فإن عاد ؟ قال أجاهده، قال هذا يطول أرأيت إن مررت بغنم فنبحك كلبها أو منعك من العبور ما تصنع ؟

قال أكابده وأرده جهدى، قال هذا يطول عليك، ولكن استعن بصاحب الغنم يكفه عنك، فإن صدقت هذه الرواية لم يكن تاركا الدنيا كسبا، بل قلبا، وفي الإسرائيليات قيل أن رجلا تزوج امرأة من بلدة، وكان بينهما مسيرة شهر، فأرسل إلى غلام له من تلك البلدة ليحملها إليه فسار بها يوما، فلما جنه الليل أتاه الشيطان فقال له إن بينك وبين زوجها مسيرة شهر فلو تمتعت بها ليالي هذا الشهر إلى أن تصل إلى زوجها، فإنها لا تكره ذلك وتثني عليك عند سيدك فتكون أحظى لك عنده، فقام الغلام يصلي فقال يا رب، إن عدوك هذا جاءني فسوّل لي معصيتك، وإنه لا طاقة لي به في مدة شهر وأنا أستعيذك عليه يا رب فأعذني عليه، واكفني مؤونته، فلم تزل نفسه تراوده ليلته أجمع وهو يجاهدها حتى أسحر فشّد على دابة المرأة وحملها وسار بها، قال فرحمه الله تعالى، فطوى له مسيرة شهر فما برق الفجر حتى أشرف على مدينة مولاه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى