مقال

الدكروري يكتب عن التاجر المسلم الصدوق ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن التاجر المسلم الصدوق ” جزء 2″

بقلم / محمــــد الدكــــروري

 

ونكمل الجزء الثاني مع التاجر المسلم الصدوق، والتاجر الذي يتأخر في الذهاب إلى تجارته يفوته خير كثير، ويُحرم بركة الرزق التي دعا بها النبي صلى الله عليه وسلم للمبكرين، فقال صلى الله عليه وسلم “اللهم بارك لأمتي في بكورها” وقد كان أحد الصحابة يبعث تجارته من أول النهار، فأثرى وكثر ماله، وكذلك التيسير والتغاضي عن المعسرين، فمن يسّر على معسر، يسّر الله عليه، ولا ينبغي للتاجر المسلم أن يضيّق على مَن يعاملهم بكثرة المطالبة، مع علمه بضيق ذات يدهم، فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم بالرحمة لمن يتحلى بخلق السماحة والتيسير في اقتضاء حقه من الناس، فقال صلى الله عليه وسلم ” رحم الله رجلا سمحا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى” وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن تاجر من بني إسرائيل كان يتعامل مع الناس بالتيسير والسماحة، فكان جزاؤه من الله تعالى أن تجاوز عنه.

 

فقال صلى الله عليه وسلم “كان تاجر يداين الناس، فإذا رأى معسرا، قال لفتيانه، تجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا فتجاوز الله عنه” وكذلك إقالة النادم في بيعته فهذا خلق كريم من أخلاق التجار الأبرار، الذين يطمعون فيما عند الله تعالى من الرحمة والرضوان، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم “من أقال مسلما، أقاله الله عثرته” وإن أقوى ما يميّز التجّار الناجحين هو الإبداع المتجدد، والاستمرار في توليد الأفكار الجديدة والناجحة، ويخرج الأفكار بحسب زمانه، فما يصلح بالأمس يفسد اليوم، وما كان مظنة الخسارة بالأمس اليوم هو مربح، والأفكار بحسب مكانه، فلكل دولة تجاراتها، بل في الدولة الواحدة يختلف شرقها عن غربها، يختلف إنتاجها المحلي وما يرغبه سكانها، وتختلف نسبة العطالة فيها كذلك، فالعاصمة مكان الموظفين الأغنى والتجار الأكثر فيناسبها ما ارتفع ثمنه وعلت جودته مثلا.

 

والمدن النائية يناسبها من يقدم لها الخدمات الأساسية أو البضاعة قليلة الثمن، وإن من الإبداع ألا يحقر أي فكرة مهما بدت ساذجة أو من شخص ساذج لم يخض التجربة، فأحيانا يكون النجاح الأكبر يبدأ من المحقرات، أو يضيف إليها بحسب خبرته ورؤيته لتصبح ذا منظر بهيج، وكذلك ما يميّزهم المجازفة، يجازف في ما ظن أن فيه مكسب ولم تملأه الثقة تماما بأنه لن يخسر، قد يظهر قوة وقلبه يخفق من خوف الخسارة، ولكن هذا الخوف والهم لا يوقفه عن فعله، وليست بمجازفة عشوائية بل بآلية معينة يعتقد أنه يكسب منها، أما الذي يطلب العلو وهو منبطح أو خائف من ضياع ماله فهذا يطلب محالا، كذلك مما يميزهم العطاء، فلم أجد يوما تاجرا بخيلا إلا وانقض بخله عليه وعلى تجارته، وهذا العطاء يختلف فليس هو كرم حاتم ولا هو إسراف السفيه، بل تارة يكون لنفع ينالونه كمن يعطي من يعملون عنده ليحفزهم للعمل.

 

ويكافئ المتميز فيهم، وتارة لضرر يدفعونه كمن يدفع لمن يعمل عنده ليأمن شره وسرقاته، أو ليقوم بعمله بشكل أفضل، رغم أنه يقبض مالا على عمله لكن بعض الناس متلبس بعبودية المال لا ينفك عنها، وتجد بعض التجّار يعامل من يستأجره معاملة المؤلفة قلوبهم، فإن قوي صاحبنا التاجر واستغنى عن اضطراره لملاطفة صاحبه وعرف المداخل والمخارج أسقط هذا السهم وأبان عن بياض أنيابه وسواد ردات فعله، وكذلك ما يميّز بعضهم، أنهم لا يتكلفون أعمالهم، ولا يشعرون بمشقتها، ولا يشعرون بثقل الوقت وهو يمر عليهم فيها، فكان الأمر فيهم جبلة وطبيعة، وهل هي كذلك منذ البداية أم عانوا حتى أصبحت جبلة فيهم، المهم أنهم يمارسون أعمالهم التجارية كما يمارس أحدنا يومياته، وأخيرا وجدت فئام من التجار يحصدون المال ويكسبونه بلا جهد التجار ولا ذكائهم، بل هم أقرب للضياع من النجاح.

 

لا يُحسن أحدهم أن يتولى إدارة مركز صغير فضلا عن خوض صحراء التجارة، ففتشت في حياتهم فوجدت سبب ذلك تقوى الله والعبادة، فهذا لا يفتر لسانه من تلاوة وذكر، وذلك صدقاته بأنواعها لا تنقطع، وآخر يتميّز ببرّه بوالديه وحسن القصد، والرابع والخامس متلبسين بطاعات لا يتركونها، ولا شك أن أعظم أسباب الرزق هو طاعة الله وتقواه والتقرب منه، فأهل العلم الفضلاء قد بيّنوا هذا، ونحن مؤمنين بأن الله هو المعطي المانع، يرزق من يشاء بغير حساب، يهب الرزق الواسع بغير سبب من العبد ويبتدأ النعم قبل استحقاقها فله الحمد والشكر، وينبغي التنبيه أنه لا يجوز أن تجعل العبادة لنيل الدنيا ومتاعها فقط، والأصل أن يُبتغى بها وجه الله والدار الآخرة، وقد ذكر العلماء أن النصوص التي وارد فيها بعض الثواب الدنيوي كطول العمر وكثرة المال وانشراح الصدر والبركة في المال والولد وغيرها إنما تطلب تبعا لا استقلالا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى