مقال

الدكروري يكتب عن الإمام الزمخشري ” جزء 1″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام الزمخشري ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

الإمام الزمخشري هو جار الله أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد بن عمر الخوارزمي الزمخشري، وهو من أئمة العلم بالدين والتفسير واللغة والآداب، وهو إمام كبير في الحديث والتفسير والنحو والبلاغة وصاحب تآليف عظيمة في كل ذلك، ويلقب بالإمام الكبير في التفسير، والحديث والنحو واللغة وعلم البيان ويلقب بجار الله الزمخشري، وسمي بذلك لأنه سافر إلى مكة وجاوربها زمانا، فصار يقال له جار الله لذلك، وكان هذا الاسم ملازما له، وولد الإمام الزمخشري في زمخشر يوم الأربعاء السابع والعشرين من شهر رجب سنة ربعمائة وسبع وستين من الهجرة، الموافق عام ألف وأربع وسبعين للميلاد، في تركمانستان وسافر إلى مكة، وبعد رجوعه من مكة قد برع في الآداب، وصنف التصانيف، وسافر إلي العراق وخراسان، وما دخل بلدا إلا واجتمعوا عليه، وتتلمذوا له.

 

وكان علامة نسابة، وكان الزمخشري معتزليا في الأصول أي العقيدة، حنفيا في الفروع أي الفقه، وكان يجاهر بمذهبه الاعتزال، ويدونه في كتبه، ويصرح به في مجالسه، وكان إذا قصد صاحبا له استأذن عليه في الدخول ويقول لمن يأخذ له الإذن قل له أبو القاسم المعتزلي بالباب، وقد بذل الزمخشري مجهودا كبيرا في تفسيره في سبيل تفسير الآيات القرآنية على مقتضى مذهب الاعتزال وأصوله الخمسة، وهي التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد اشتهر الزمخشري في عصره، ومدحه الشعراء والأدباء، وطلب العلماء أن يعطيهم الإجازة في رواية كتبه، ومن لطيف ذلك أن الحافظ أبا الطاهر السلفي كتب إليه من الإسكندرية يستجيزه، وكان الزمخشري مجاورا بمكة، فكتب إليه جوابا طويلا يقول في مطلعه ما مثلي مع أعلام العلماء.

 

إلا كمثل السُها وهو نجم صغير، مع مصابيح السماء والجهام الصُفر والرّهام أي المطر الخفيف، مع الغوادي أي المطر الغزير الغامرة للقيعان والآكام، والسُكيت المخلف مع خيل السباق، والبُغاث وهو طائر صغير، مع الطير العناق، وما التلقيب بالعلامة، إلا شبه الرقم بالعلامة، والعلم مدينة أحد بابيها الدراية، والثاني الرواية، وأنا في كلا البابين ذو بضاعة مزجاة، ظلي فيها أقلص من ظل حصاة، أما الرواية فحديثة الميلاد، قريبة الإسناد، لم تستند إلى علماء نحرير ولا إلى أعلام مشاهير، وأما الدراية فثمد لا يبلغ أفواها، وبرض أي الماء القليل، ما يبلّ شفاها ولا يغرنكم قول فلان وفلان في، وعدد قوما من الشعراء والأدباء، فإن ذلك اغترار منهم بالظاهر المموه، وجهل بالباطن المشوه، ويظهر في هذا المقطع جزالة ألفاظ الزمخشري ورقي لغته، كما يظهر مدى تواضعه وبعده عن الاعتداد بالنفس.

 

وذكر التاج الكندي أنه رأى الزمخشري على باب الإمام أبي منصور بن الجواليقي وقال الكمال الأنباري لما قدم الزمخشري للحج، أتاه شيخنا أبو السعادات بن الشجري مهنئا بقدومه، وكان من مؤلفاته هو كتاب رؤوس المسائل، وهي المسائل الخلافية بين الحنفية والشافعية للزمخشري، وهو صاحب الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، وقال ابن خلكان كان إمام عصره غير مدافع، تشد إليه الرحال في فنونه، وكان معتزلي الاعتقاد، متظاهرا به، أي لا يخجل من إعلانه وإظهاره، وهو علم فذ من أعلام المؤلفين بالعربية في إطار الحضارة الإسلامية، وهو منسوب إلى زمخشر في إقليم خوارزم في الجنوب الشرقي من آسيا الوسطى، لم تكن زمخشر في عهده مقرا للحكم ولكنها كانت قرية كبيرة من قرى خوارزم، ونشأ الزمخشري وعاش أكثر حياته في آسيا الوسطى.

 

ولكنه جاور في مكة المكرمة زمانا، فعرف كذلك بجار الله، وهكذا كان شأن كثير من علماء المشرق الآسيوي، تبدأ حياتهم في موطنهم المحلي ثم ينتقلون إلى المنطقة العربية ثم يعودون إلى بلادهم، وكانت المنطقة التي نشأ بها متعددة اللغات، العربية لغة الدين والعلوم والفارسية لغة أدبية صاعدة، والقبائل التركية أو الكردية تتعامل بلهجاتها أيضا في معاملاتها اليومية، وفي هذه الظروف كانت اللغة العربية هي لغة الصفوة المتميزة من العلماء، وهي اللغة المنشودة كان كل من أراد العلم وفنونه أتقن العربية وكذلك كل من تطلع إلى امتزاج كيانه بالإسلام أجاد العربية، وهكذا كانت نشأة الزمخشري، وكما يقول الدكتور مصطفى الصاوي الجويني ولن نقول إنه صار عربيا على الفرس في وقت خمدت فيه جذوة الشعوبية ولكنا نقول إنه صار إسلاميا لا هو بالفارس المتحمس ولا بالعربي المصطنع الحمية لهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى