مقال

الدكروري يكتب عن الإمام الزمخشري ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام الزمخشري ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثاني مع الإمام الزمخشري، وهذه النظرة إنما هي نظرة من اتسع أفقه العقلي وسما تفكيره، فلعل أسرته الدينية وبيئته المسلمة التي كانت في نزاع دوما مع جيرانها الكفار نضحا عن الإسلام كما مر بنا قبل ثم ما اتسم به عصر الزمخشري من نزاع بين المسلمين والصليبيين وحروب تستعر بينهم باسم الدين إلى جانب عربية أستاذه وخلقه لعل هذا كله أصل في أعماق نفس الزمخشري حب العرب دينهم وعلمهم وأوطانهم فصار إسلاميا خالصا، فهو يؤلف كتاب المفصل في النحو لما بالمسلمين من الأرب إلى معرفة كلام العرب ويؤلف كتاب مقدمة الأدب لتعليم الفرس العربية ذلك لأن الحاجة إلى اللسان العربي سائحة في الملة الإسلامية، وقد تهيأت أمامه الظروف لتعلم العربية والتبحر فيها منذ نعومة أظفاره، إذ يقول ابن خلكان أنه لما بلغ سن الطلب رحل إلى بخارى لطلب العلم.

 

وبخارى يومئذ كانت مشهورة بالآداب إذ يصفها الثعالبي بقوله كانت بخارى في الدولة السامانية بمثابة المجد وكعبة الملك ومجمع أفراد الزمان ومطلع نجوم أدباء الأرض وموسم فضلاء الدهر، ولا شك أن أباه دفع به إلى هناك ليثقف العربية والأدب فيحظى بالمناصب التي كان يرقاها كل أديب نابغ في عهد نظام الملك وما من شك أيضا في أنه ثقف فيما ثقف أيضا هناك الحديث فوالده رجل دين والوزير الذي يرعى العلم محدث يروي الحديث ويبني المدارس لتعليمه، ولكن على كل حال الصورة الواضحة لنشأته العلمية تتلمذه علي محمود بن جرير الضبي الأصفهاني أبو مضر النحوي، والذي كان يلقب بفريد عصره ووحيد دهره في علوم اللغة والنحو ومضرب المثل في الكثير من الفضائل وقد أقام بخوارزم مدة وانتفع الناس بعلومه ومكارم أخلاقه وأخذوا عنه علما كثيرا.

 

وتخرج عليه جماعة من الأكابر في اللغة والنحو غير أنه هو الذي زرع في خوارزم مذهب الاعتزال وقد سار الزمخشري على منهاجه ونسج على منواله، فنجده في كتابه المفصل يقيم بحثه النحو على عمد ثلاثة الاسم والفعل والحرف، ولعل هذا المنهج وهذا الأسلوب في تناول النحو ومعالجته من روح أستاذه، ثم هو ذو منهج طريف أيضا في بحثه اللغوي فمثلا في معجمه أساس البلاغة، وهو شائع منشور اليوم نجده يبحث في اللفظة ومعانيها حينما ترد ثم يتعقب اللفظة عينها في استعمالاتها المجازية والبلاغية بإيرادها في تركيب فصيح أو تعبير بليغ يجلي معناها ويلقي الضوء عليه، ومن أجل ذلك جاء تفسيره حافلا زاخرا بإبراز معالم القرآن الاعجازية والبلاغية، وحاز إعجاب المحققين من العلماء من هذه الناحية، حتى إن الإمام ابن تيمية ليقول بصرف النظر عما فيه من الاعتزال.

 

فهو تفسير لم يسبق مؤلفه إليه، لما أبان فيه من وجوه جمال النظم القرآني وبلاغته، فقد برع في كثير من العلم، فالكشاف أي التفسير وهو قالب أدبي رائع، وصوغ إنشائي بديع لكنه تأثر في تفسيره بعقيدته الاعتزالية فمال بالألفاظ القرآنية إلى المعاني التي تشهد لمذهبه، أو تأولها بحيث لا تتنافى معه على الأقل، فإنه في محاولاته هذه قد برهن بحق على براعته وقوة ذهنه، وكما ان تفسير الطبري ممثلا للقمة العالية في التفسير بالمأثور، فهنا كذلك الكشاف للزمخشري القمة العالية للتفسير الاعتزالي، ولقد اعتنى كثير من علماء الأمة بهذا الكتاب، سواء من ناحية الرد على ما بألفاظه من اتجاهات اعتزالية، وتقريرات مذهبية نحو المعتزلة، أو تخريج أحاديثه وتحقيقها، أو تخليصه من الحشو أو الإسرائيليات، فهذا شرف الدين الطيبي الذي تتبع ألفاظه وتعرض لمذاهبه في الاعتزال بأدلة تزيفها وتنقضها.

 

وتبين أن البلاغة إنما تقع في الآية على ما يراه أهل السنة لا على ما يراه المعتزلة فأحسن وأجاد في ذلك مع ما شاء من إمتاعه في سائر فنون البلاغة وفوق كل ذي علم عليم، كما قام الإمام أحمد بن محمد المعروف بابن المنير عالم الإسكندرية وقاضيها بتأليف كتاب الانتصاف لبيان ما في الكتاب من الاعتزال وما فيه من ميل باللفظ القرآن إلى مذهبه دون أن يحتمله اللفظ، وقام الإمام عبدالله بن يوسف الزيلعي بتأليف رسالة في تخريج أحاديث الكشاف وما فيه من قصص وآثار بين فيها الصحيح من الضعيف من الموضوع وكذلك قام الإمام ابن حجر العسقلاني بتلخيص كتاب الزيلعي والتعقيب عليه والتحذير من الاعتزال فيه، في رسالة سماها الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف، وعن تفسير الكشاف يقول الدكتور محمد بن محمد أبوشهبة إن تفسير الكشاف من خير كتب التفسير وأجلها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى