مقال

الدكروري يكتب عن المزارع المجد ” جزء 8″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن المزارع المجد ” جزء 8″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وهذه الكتب وغيرها مما تركه لنا بعض علماء العرب من الكتب الزراعية، التي طبع بعضها بلغتنا في أوروبا هو دليل كبير على ترقي هذا الفن أيام لم يكن في الأرض مَن يحسن ذلك، وتلك كانت جهود سلفنا الصالح في مجال الرقي بالزراعة، التي أفادوا بها البشرية، وهي تظهر لنا أنهم لم يقصروا جهدهم على تقديم الزاد الروحي فقط كما يظن الكثيرون وإنما قدموا معه زادا ماديا ليجمعوا للناس بين خيري الدنيا والآخرة، فإن النخلة والمسلم كلاهما يعطي أكثر مما يأخذ والإيمان ثابت في قلب المسلم وهكذا النخلة ثابتة والمسلم مترفع عن الصغائر، وهكذا النخلة سامقة في السماء، والنخلة ترمى بالحجر فتلقي الثمر، وهكذا المسلم يرد على السيئة بالحسنة، ويدفع بالتي هي أحسن، والزراعة لها علاقة وثيقة بفرائض الله وبذكر الله عز وجل، فالزرع يسبح الله ويذكره والزرع يصلي.

 

حيث قال الله عز وجل ” والنجم والشجر يسجدان” والزرع فيه زكاة، فقال تعالي ” وآتوا حقه يوم حصادة” والزرع فيه صوم وامتناع، فكما يمتنع المسلم الصائم عن الطعام والشراب وسائر المفطرات، كذلك على الزارع أن يمتنع عن زرع الخبيث من الزراعات كالبانجو والأفيون والخشخاش وغيرها، ومن فعل ذلك فقد بدّل نعمة الله، والزرع له علاقة بالحج، حيث يحرم على الحاج أن يقتلع شيئا من زرع مكة، وكما أن الزراعة مدرسة للأخلاق، حيث تعلمنا الزراعة مجموعة من مكارم الأخلاق منها الأمانة ففي يد المزارع أمانة هي قوام الحياة للناس جميعا، وهذه الأمانة يجب رعايتها، لقد كانت سببا في نجاة بلاد من الفقر والقحط الشديد، هذا سيدنا يوسف يفسر رؤيا عزيز مصر التي أزعجته، فلما نفذوا ما نصحهم به نجوا بإذن الله، ومن الأخلاق هو إغاثة الملهوف، ولقد كان الزرع إغاثة لنبي الله يونس عليه السلام.

 

بعد أن التقمه الحوت، ثم لفظه إلى شاطئ البحر، أغاثه الله بنبات اليقطين ليعيد إليه عافيته، وأيضا حفظ حدود الله، فالحقول بينها حدود، والذي يحافظ على تلك الحدود ولا يعتدي عليها حافظ لحدود الله ويقول تعالي في سورة التوبة ” والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين” وروى الإمام مسلم عن علي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” لعن الله من غير منار الأرض” ومن الأخلاق هو الشكر لله عز وجل وعدم جحود النعمة لأن الإنسان يرى نعمة الله كل يوم بين يديه وهو يرعى زرعه فيدوم شكره لربه، وفي قصة صاحب الجنتين العبرة والمثل، فقد جحد نعمة الله ونصحه صاحبه المؤمن، ولما لم ينتصح كانت النتيجة هو العقاب من الله عز وجل والخسران المبين، وكذلك أيضا التفاني في العمل والإنتاج ويمكن أن نرى فئات كثيرة تقوم بما يسمى بالإضراب من أطباء، ومدرسون ومحاسبون.

 

وعمال إلا المزارع الذي لا يفكر أبدا في إضراب أو امتناع عن العمل في حقله لأنه يعرف قيمته وأهميته في هذا المجتمع ويعلم الثواب العظيم له عند الله عز وجل، وأيضا من الأخلاق هو حسن التوكل على الله عز وجل، فالمزارع يخرج بعد صلاة الفجر متوكلا على الله ولا يرجع إلا بعد غروب الشمس حامدا ربه عز وجل، وهذا من حسن التوكل على الله سبحانه، وإن من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم هي معجزات تتعلق بالزراعة منها حنين الجذع، وشهادة الشجرة، فلا تقصر في حق زرعك لأنك إذا قمت بواجبك نحوه كنت من المقربين إلى الله عز وجل، ونصرت بلادك ومجتمعك على أعدائه، فلا توقعه في حرج مد اليد إليهم، واستيراد السلع منهم، ويقول الشعرواي رحمه الله إذا أردنا أن تكون كلمتنا من رأسنا، فعلينا أن تكون لقمتنا من فأسنا، وإنه كفى بالمزارعين شرفا.

 

أن الله عز وجل قد شبه بالزرع خير البرية صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فهذه رسالة تدور حول جملة من الأحكام الفقهية الهامة، التي يحتاج إليها المزارعون مثل أحكام زكاة الزرع، وإجارة الأرض، وغيرها، وليس فيها كبير جهد فكلها جمع مع الترتيب والاختصار لهذه المسائل من كتاب المغني لابن قدامة لما فيه من مسائل وتفريعات لا توجد في غيره، وأما عن زكاة الزروع، فقال أبو محمد بن قتيبة في كتابه المغني أن الزكاة من الزكاء والنماء والزيادة، سميت بذلك لأنها تثمر المال وتنميه، ويقال زكا الزرع إذا كثر ريعه، وزكت النفقة إذا بُورك فيها، وهي في الشريعة حق يجب في المال، فعند إطلاق لفظها في موارد الشريعة ينصرف إلى ذلك، والزكاة أحد أركان الإسلام الخمسة، وهي واجبة بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله، وإجماع أمته، أما الكتاب فقول الله تعالى في سورة البقرة ” وآتوا الزكاة”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى