مقال

الدكروري يكتب عن الزراعة وحياة البشرية ” جزء 8″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الزراعة وحياة البشرية ” جزء 8″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

فقال لا حرج في دفع الرجل أو المرأة زكاتهما للأخ الفقير، والأخت الفقيرة، والعم الفقير، والعمة الفقيرة، وسائر الأقارب الفقراء لعموم الأدلة بأن الزكاة فيهم صدقة وصلة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ” الصدقة في المسكين صدقة، وفي ذي الرحم صدقة وصلة” ما عدا الوالدين وإن علوا، والأولاد ذكورا أو إناثا وإن نزلوا، فإنها لا تدفع إليهم الزكاة، ولو كانوا فقراء، بل يلزمه أن ينفق عليهم من ماله إذا استطاع ذلك، ولم يوجد من يقوم بالإنفاق عليهم سواه، وأما عن بيع الأصول والثمارـ فقيل أنه متى وقع البيع على نخل مثمر، ولم يشترط الثمرة، وكانت الثمرة مؤبرة، فهي للبائع، وإن كانت غير مؤبرة فهي للمشتري، وبهذا قال مالك والليث والشافعي، فعن عبدالله بن عمر، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “من ابتاع نخلا بعد أن تؤبر، فثمرتها للذي باعها، إلا أن يشترط المبتاع” رواه البخاري ومسلم.

 

ومتى اشترطها أحد المتبايعين فهي له، مؤبرة كانت أو غير مؤبرة، البائع فيه والمشتري سواء، ولو اشترط أحدهما جزءا من الثمرة معلوما، كان ذلك كاشتراط جميعها في الجواز في قول جمهور الفقهاء، أما الأغصان والورق وسائر أجزاء الشجر، فهو للمشتري بكل حال لأنه من أجزائها، خُلق لمصلحتها فهو كأجزاء سائر المبيع، وإذا كانت الثمرة للبائع مبقاة في شجر المشتري، فاحتاجت إلى سقي، لم يكن للمشتري منعه منه لأنه يبقى به، فلزمه تمكينه منه كتركه على الأصول، وإن أراد سقيها من غير حاجة، فللمشتري منعه منه لأن بسقيه يتضمن التصرف في ملك غيره، ولأن الأصل منعه من التصرف في مِلك غيره، وإنما أباحته الحاجة، فإن لم توجد الحاجة يبقى على أصل المنع، وإذا باع شجرا فيه ثمر للبائع فحدثت ثمرة أخرى، أو اشترى ثمرة في شجرها فحدثت ثمرة أخرى، فإن تميزتا فلكل واحد ثمرته.

 

وإن لم تتميز إحداهما من الأخرى، فهما شريكان فيهما، كل واحد بقدر ثمرته، فإن لم يعلم قدر كل واحدة منهما اصطلحا عليها، ولا يبطل العقد، وإذا باع الأرض وفيها زرع لا يحصد إلا مرة، كالحنطة والشعير والقطاني، وما المقصود منه مستتر كالجزر والفجل والبصل والثوم وأشباهها، فاشترطه المشتري فهو له، قصيلا كان أو ذا حَب، مستترا أو ظاهرا، معلوما أو مجهولا لكونه دخل في البيع للأرض فلم يضر جهله وعدم كماله، كما لو اشترى شجرة فاشترط ثمرتها بعد تأبيرها لأنه يجوز تبعا ما لا يجوز استقلالا كشراء البهيمة العشراء، وإن أطلق البيع فهو للبائع لأنه مودع في الأرض، فهو كالكنز والقماش، ولأنه يراد للنقل، فأشبه الثمرة المؤبرة، وهذا قول أبي حنيفة والشافعي، قال ابن قدامة ولا أعلم فيه مخالفا، ويكون للبائع مبقى في الأرض إلى حين الحصاد بغير أجرة لأن المنفعة حصلت مستثناة له، وعليه حصاده في أول وقت حصاده.

 

 

 

وإن باع أرضا وفيها زرع يجز مرة بعد أخرى، فالأصول للمشتري، والجزة الظاهرة عند البيع للبائع، سواء كان مما يبقى سنة كالبقول، أو أكثر كالرطبة، وعلى البائع قطع ما يستحقه منه في الحال، وكذلك إن كان الزرع مما تكرر ثمرته كالقثاء والخيار والبطيخ والباذنجان وشبهه، فهو للمشتري، والثمرة الظاهرة عند البيع للبائع لأن ذلك مما تتكرر الثمرة فيه، فأشبه الشجر، وأما عن حكم شراء الثمرة قبل بُدوّ صلاحها، فإنه لا يخلو شراء الثمرة قبل بدو صلاحها من أربعة أقسام، أحدها أن يشتريها بشرط التبقية، فلا يصح البيع إجماعا فعن ابن عمر رضي الله عنهما “نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها” رواه البخاري ومسلم، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه والثاني أن يبيعها بشرط القطع في الحال كشراء الذرة أخضر، لجعله علفا للماشية، فيصح بالإجماع لأن المنع إنما كان خوفا من تلف الثمرة.

 

وحدوث العاهة عليها قبل أخذها فعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ثمر النخل حتى تزهو، فقلنا لأنس ما زهوها؟ قال “تحمرّ وتصفرّ، أرأيتك إن منع الله الثمرة، بم تستحل مال أخيك؟” رواه مسلم، وهذا مأمون فيما يقطع، فصح بيعه كما لو بدا صلاحه، والثالث وهو أن يبيعها مطلقا، ولم يشترط قطعا ولا تبقية، فالبيع باطل، وبه قال مالك والشافعي، والرابع أن يشتريها مع الأصل وهي الأرض لأنه يجوز تبعا ما لا يجوز استقلالا، والثمرة هنا ليست مقصودة بمفردها، وإنما اشترى أرضا بما عليها، كمن اشترى بهيمة عُشراء، أو بهيمة وفي ضرعها لبن، وإن اشتراها بعد أن بدا صلاحُها على الترك إلى الجزاز، جاز، وبُدو الصلاح في بعض ثمرة النخلة أو الشجرة صالح لجمعيها، بمعنى أنه يباح بيع جميعها، بذلك قال ابن قدامة، ولا أعلم فيه اختلافا، فإن كانت ثمرة نخل، فبُدو صلاحها أن تظهر فيها الحمرة أو الصفرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى