مقال

الدكروري يكتب عن الزراعة وحياة البشرية ” جزء 9″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الزراعة وحياة البشرية ” جزء 9″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وصلاح ما سواه أن يبدو فيها النضج، وإن كان مما لا يتلوّن كالتفاح ونحوه فبأن يحلو أو يطيب، وإن كان بطيخا أو نحوه فبأن يبدو فيه النضج، وإن كان مما لا يتغير لونه ويؤكل طيبا صغارا وكبارا كالقثاء والخيار فصلاحه بلوغه أن يؤكل عادة، فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمرة حتى تطعم” رواه مسلم، وكما يجوز بيع ما المقصود منه مستور في الأرض كالجزر والفجل والبصل والثوم وذلك إن بدا صلاح بعضه، وهو قول مالك والأوزاعي وإسحاق لأن الحاجة داعية إليه، فأشبه بيع ما لم يبدو صلاحه تبعا لما بدا، وكما يجوز بيع الجوز واللوز والباقلا الأخضر في قشرته وفي شجره، وبيع الحَب المشتد في سنبله، وبيع الطلع قبل تشققه، مقطوعا على وجه الأرض وفي شجره، وبهذا قال أبو حنيفة ومالك، وكذلك الرّطبة كل جزة كالبرسيم لأن الرطبة وما أشبهها مما تثبت أصوله في الأرض.

 

ويؤخذ ما ظهر منه بالقطع دفعة بعد دفعة، ولا يجوز بيعه، إلا أن يبيع الظاهر منه بشرط القطع في الحال، وبذلك قال الشافعي، وروي ذلك عن الحسن وعطاء، وأما ما لا تتميز بطونه كالفلفل والبسلة والخيار فيجوز بيعه بأصوله إلى أن تنتهي الثمرة، للحاجة الداعية إلى ذلك، ومشقة بيعه لقطة لقطة، وخاصة إذا كانت المساحة المزروعة كبيرة، وإذا باع حائطا واستثنى منه صاعا، لم يجز، وإن استثنى منه نخلة أو شجرة بعينها جاز لأنه استثنى معلوما أشبه ما إذا استثنى منها جزءا، فعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنبا إلا أن تعلم” وإذا اشترى الثمرة دون الأصل فتلفت أو أفسدت بجائحة من السماء، رجع بها على البائع لأن ما تهلكه الجائحة من الثمار من ضمان البائع، وبهذا قال أكثر أهل المدينة، منهم يحيى بن سعيد بن الأنصاري ومالك وأبو عبيد، وجماعة من أهل الحديث.

 

وبه قال الشافعي في القديم، فعن أبي الزبير، أنه سمع جابر بن عبدالله، يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لو بعت من أخيك ثمرا، فأصابته جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا، بما تأخذ مال أخيك بغير حق؟ رواه مسلم، والجائحة هي كل آفة لا صُنع للآدمي فيها كالريح والبرد والجراد والعطش، وأما ما كان بفعل آدمي، فالمشتري بالخيار بين فسخ العقد ومطالبة البائع بالثمن، وبين البقاء عليه ومطالبة الجاني بالقيمة لأنه أمكن الرجوع ببدله، بخلاف التالف بالجائحة، وإن اشتراه وفرّط في حصاده حتى تلف، فمن ضمانه هو، ويستحق البائع الثمن كله، وعن عبادة بن الصامت، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبُرّ بالبُرّ، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبِيعوا كيف شئتم، إذا كان يدا بيد” رواه مسلم.

 

فكل طعام يكال أو يوزن كالقمح والأرز والذرة يخضع في بيعه وشرائه لمجموعة من الضوابط، طبقا لهذا الحديث، فمن خالفها وقع في الربا، وهذه الضوابط هي إذا بيع هذا الصنف الربوي بجنسه كقمح بقمح يشترط فيه شرطان التقابض في نفس المجلس، والتماثل في الوزن أو الكيل، حتى لو اختلفت جودته وقيمته، ولا يجوز لأحدهما أخذ أي فروق، سواء مادية أو خدمية مقابل هذا الفرق، ولمعالجة هذه القضية ومراعاة هذه الفروق في الأسعار بين الجيد وغيره، فإنه يبيع الرديء بالمال ويقبضه في يده، ثم يشتري بالمال النوع الجيد الذي يريد كالقمح الأبيض والقمح الأسود، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال جاء بلال إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتمر برني، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم “من أين هذا؟ قال بلال كان عندنا تمر ردي، فبعت منه صاعين بصاع لنطعم النبي صلى الله عليه وسلم.

 

فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك “أوّه أوّه، عين الربا عين الربا، لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشتري، فبع التمر ببيع آخر، ثم اشتره” رواه البخاري ومسلم، وأيضا إذا بيع هذا الربوي بما اتفق معه في العلة، واختلف في الجنس كقمح بأرز، أو أرز بذرة شرط فيه شرط واحد فقط، وهو التقابض في نفس المجلس، وعن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد” كما إذا باعه أو اشتراه بالنقود، لا يشترط فيه أي شروط، إلا شروط صحة البيع الرضا، والرشد، والقدرة على التسليم، ومعرفة الثمن والمثمّن، فمن اشترى أرزّا بالنقود أو قمحا بالنقود، جاز له شراؤه نقدا أو قسطا، وعن السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى طعاما من يهودي إلى أجل، وإن اشتراه بالقسط فعليه أن يراعي شروط صحته من الاتفاق على السعر في مجلس العقد، وكيفية السداد.

 

وإن اشتراه بالقسط فعليه أن يراعي شروط صحته من الاتفاق على السعر في مجلس العقد، وكيفية السداد، ولا يحل له زيادة القسط عليه إن تأخر في السداد فهذا شرط ربوي، وينهيان العقد قبل أن يتفرقا، وكما يراعي المساقاة والمزارعة، وأما عن المساقاة وهو أن يدفع الرجل شجره إلى آخر ليقوم بسقيه، وعمل سائر ما يحتاج إليه بجزء معلوم له من ثمره كدفع حديقة برتقال إلى من يراعيها بالسقي والمتابعة مقابل نسبة من الثمرة كالثلث أو الربع، وأما عن المزارعة وهو دفع الأرض إلى من يزرعها أو يعمل عليها والزرع بينهما، كما يتفقان، فعن نافع، عن عبدالله رضي الله عنه، قال “أعطى النبي صلى الله عليه وسلم خيبر اليهود، أن يعملوها ويزرعوها، ولهم شطر ما يخرج منها” والمساقاة جائزة في جميع الشجر المثمر، هذا قول الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، وبه قال سعيد بن المسيب وسالم والثوري والأوزاعي وأبو يوسف ومحمد وإسحاق وأبو ثور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى