مقال

الدكروري يكتب عن الإمام ابن نباتة ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام ابن نباتة ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وأيضا كان ابن نباتة له علاقة بجلال الدين القزويني وبشهاب الدين ابن فضل الله العمري الذي ساعده على العمل في ديوان الإنشاء في مجال التواقيع، ولم يتمكن ابن نباتة من العيش برفاهية إلا في عهد الملك المؤيد فلذلك كان يُكثر من الشكوى وقلة ذات اليد وثقل مؤونة أسرته التي كان عددها كثيرا إذ ما يروى عنه أنه كان كثير العيال، وكان مجموع إقامته في الشام بين دمشق وهي أكثر مدينة أقام فيها وحماة والقدس وحلب نحوا من خمسين سنة، عاد بعدها إلى مصر سنة سبعمائة وواحد وستين من الهجرة، بطلب من السلطان الناصر حسن، فعينه في ديوان الإنشاء، ولكنه لم يتمكن من مباشرة عمله لكبر سنه، فأمر السلطان أن يُعفى من هذه الوظيفة ويُجرى عليه راتبه، وأمر بنسخ ديوانه وأن يُحفظ في المكاتب السلطانية، وبذلك فقد أمّر السلطان شعر ابن نباتة على سائر أشعار شعراء عصره.

 

وفي عام سبعمائة وست وثمانين من الهجرة، اشتد المرض بابن نباتة وتوفي في البيمارستان المنصوري في القاهرة وقد تجاوز الثمانين عاما، وتم دفنه في مقابر باب النصر بالقاهرة رحمه الله تعالى، وأما عن مسيرة ابن نباتة المصري فقد ظهرت في سن مبكرة، فتوجه نحو علوم اللغة والأدب والعلوم الدينية، وأجيز بها وبلغ فيها منزلا كبيرا وبعيدا، واتصل بكبار أدباء عصره من الكتاب والشعراء، فأخذ عنهم الأدب وقال الشعر وهو بعد لم يتجاوز العشرين من العمر، وصقلت موهبته الشعرية بتجربته التي مر بها وهي التكسب بالشعر فزاده ذلك خبرة ومهارة، وبعد أن ارتحل إلى الشام ازدادت ثقافته الأدبية وبخاصة عندما حل في بلاط الملك المؤيد صاحب حماة وهو أبو الفداء الذي تعرف به مدينة حماة السورية إذ تسمى مدينة أبي الفداء، فقد كان أبو الفداء أديبا بصيرا بالأدب والشعر.

 

وكان يقرّب منه الأدباء والشعراء ويكرمهم ويحتفي بهم، وكذلك قد بلغت قدرة ابن نباتة في الكتابة الأدبية شانا عظيما حينما صار في ديوان الإنشاء في دمشق، فصار ماهرا في فنون النثر الأدبي حاذقا بها، فصار واحدا من كبار أدباء عصره شعرا ونثرا، ويمكن تقسيم شعر ابن نباتة ثلاثة أقسام وهم شعر تقليدي تندرج تحته ألوان كثيرة من ألوان الشعر المعروفة من مديح وفخر ورثاء وهجاء ووصف وتشوق، وفي هذا القسم كذلك يلاحظ وجود شعر الغزل وشعر الخمرة وشعر الألغاز، وقد أجاد ابن نباتة في هذه الأغراض كثيرا كما أجاد في الأغراض السابقة أيضا، وأما القسم الثاني من أقسام شعره فهو الشعر الاجتماعي الذي تظهر فيه الشكوى من صروف الدهر وذكر الملابس والطعام والمراكب وكذلك يظهر في هذا القسم علاقة ابن نباتة بأهل عصره، أما القسم الأخير من شعره.

 

فهو القسم الذي يمكن تسميته القسم الديني في شعر ابن نباتة، وفي هذا القسم يلاحظ ثلاثة أنواع ظاهرة وهي الزهد والمديح لآل البيت عليهم السلام والمديح النبوي لحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما بالنسبة لأسلوبه الشعري فينبغي الوقوف على أمر مهم لكي يتضح المعنى المراد إيصاله، فإن العصر المملوكي هو عصر كثر فيه المال، ومالت حياة سكانه إلى الترف وحب الزخرفة والتدبيج في كل شيء، ابتداء من العمران وليس انتهاء بالأدب، فكان الأدباء يضطرون إلى مسايرة متطلبات الناس من جمهور القراء والسامعين للشعر والأدب، ولعل هذا النوع من الشعر هو الغالب على سمعة الأدب في عصر المماليك، ولكن لم يكن هذا النوع الوحيد في ذلك العصر فقد كان هنالك أيضا من الأدباء من اتبع نهج القدماء وسار على خطاهم ليزيد من ثقته بنفسه وبشعره، وليكسب أدبه نوعا من الأصالة والفخر على أقرانه.

 

كون التراث والأدب القديم هو المثل الأعلى لجميع الشعراء والأدباء الذين يأتون بعد تلك العصور إلى يوم الناس هذا، وكذلك كان بعض الأدباء يكتب على نهج القدماء على سبيل المجاراة، ومن هنا يمكن الولوج إلى أدب ابن نباتة وشعره بخاصة فقد وُجد في شعر ابن نباتة النوع التقليدي والنوع البديعي الذي تكثر فيه الصنعة، فقد سار ابن نباتة في اتجاهين متوازيين في شعره، فسار على نهج القدماء في شكل القصيدة العربية الذي غالبا ما كان يبدأ بالوقوف على الأطلال، ولكن كان لابن نباتة تجديد وتطوير لهذا الشكل، فهو لم يأتي به لأنه يريد الوقوف على الأطلال، ولكن ليكسب قصيدته المعاني المذكورة آنفا، فكان ابن نباتة يقف على ديار المحبوبة العامرة لا الخربة كما كان الجاهليين ومن تبعهم، ثم كان بعد الوقوف على الديار التي لا تشبه ديار الأقدمين فإنه ربما يأتي بغزل وربما يأتي بوصف للخمرة أو أي شيء يمكن من خلاله أن يضفي على قصيدته طابعا خاصا يدل عليه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى