مقال

الدكروري يكتب عن التجارة في الإسلام” جزء 5″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن التجارة في الإسلام” جزء 5″

بقلم / محمــــد الدكــــروري

 

وكما إن الإنسان لا يدري متى وأين وكيف ينتهي أجله؟ ولذا ينبغي على التاجر أن يكتب وصيته، فيكتب ما له وما عليه، حتى إذا ما جاءه الموت بغتة، لا تضيع حقوق الناس عنده، ولا حقوق ورثته عند الناس، وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال “ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلين إلا ووصيته مكتوبة عنده” رواه البخاري حديث ومسلم حديث ولقد كان عثمان بن عفان يعمل في التجارة وكان من أكبر تجار المسلمين وكانت تجارته في الواد الغذائية من بر وقمح وشعير وزبيب وإقط وتمر وغيرها فكان يشتري ويبيع فنمت تجارته وكذلك استخدم طريقة المضاربة في التجارة، فكان تاجرا في البر وفي البحر وهي التجارة البرية والتجارة البحرية، وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه كثير العطاء والبذل والسخاء والإنفاق في سبيل الله تعالى.

 

فهو الذي جهز جيش العسرة كاملا في غزوة تبوك والذي كان يتكون من تسعمائة وخمسين بعيرا، وخمسين فرسا، وجاء عثمان رضي الله عنه بألف دينار فنثرها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يدعو له في ذلك اليوم، ورفع يديه حتى أري بياض إبطيه، وهو يقول” ما ضرّ عثمان ما عمل بعد اليوم مرتين ” وفي عهد الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه أصاب الناس جفاف وجوع شديدان، فلما ضاق بهم الأمر ذهبوا إلى الخليفة أبي بكر رضي الله عنه وقالوا يا خليفة رسول الله، إن السماء لم تمطر، والأرض لم تنبت، وقد أدرك الناس الهلاك، فماذا نفعل؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه انصرفوا، واصبروا، فإني أرجو ألا يأتي المساء حتى يفرج الله عنكم، وفي آخر النهار جاء الخبر بأن قافلة جمال لعثمان بن عفان رضي الله عنه قد أتت من الشام إلى المدينة، فلما وصلت خرج الناس يستقبلونها.

 

فإذا هي ألف جمل محملة سمنا وزيتا ودقيقا، وتوقفت عند باب عثمان رضي الله عنه فلما أنزلت أحمالها في داره جاء التجار، قال لهم عثمان رضي الله عنه ماذا تريدون؟ فأجاب التجار إنك تعلم ما نريد، بعنا من هذا الذي وصل إليك فإنك تعرف حاجة الناس إليه، فقال عثمان كم أربح على الثمن الذي اشتريت به؟ قالوا له الدرهم درهمين، فقال أعطاني غيركم زيادة على هذا، فقالوا له الدرهم بأربعة، فقال عثمان رضي الله عنه أعطاني غيركم أكثر، فقال التجار نربحك خمسة، فقال عثمان أعطاني غيركم أكثر، فقالوا ليس في المدينة تجار غيرنا، ولم يسبقنا أحد إليك، فمن الذي أعطاك أكثر مما أعطينا؟ فقال عثمان رضي الله عنه إن الله قد أعطاني بكل درهم عشرة، الحسنة بعشرة أمثالها، فهل عندكم زيادة؟ فقالوا لا، فقال عثمان رضي الله عنه فإني أشهد الله إني جعلت ما جاءت به هذه الجمال صدقة للمساكين وفقراء المسلمين.

 

ثم أخذ عثمان بن عفان يوزّع بضاعته، فما بقي من فقراء المدينة واحد إلا أخذ ما يكفيه ويكفي أهله، وعندما سئل الصحابي عثمان بن عفان رضي الله عنه عن سر غناه قال كنت أعالج وأنمّي و لا أزدري ربحا ولا أشتري شيخا وأجعل الرأس رأسين، ومعنى قوله كنت أعالج أنه يقف على تجارته بنفسه ويعالج المشكلات التي تواجه تجارته ولا يعتمد على العاملين لديه لأنه مهما كانوا جيدين لن يكونوا بمستوى حرصه وأيضا هنا فرصة للتاجر حتى يفهم زبائنه ومشاكلهم بالتالي يستطيع تقديم الأفضل، وقوله وأنمّي، ويقصد إعادة الاستثمار وزيادة رأس المال حتى تنمو تجارته، وقوله ولا ازدري ربحا هو عدم استحقاره للربح البسيط وهذه الصفة مشتركة بينه وبين عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما والهدف هو كسب الزبون وتحريك البضائع والتي هي من أساسيات التجارة، وقوله لا اشتري شيخا هو أيضا عدم شرائه للقديم المتروك.

 

وهو من الذكاء التجاري ملاحظة توجّه الناس في الشراء، وقوله اجعل الرأس رأسين وهو من الحذر حتي لا يضع ماله كله في شيء واحد بل يوزعه في شيئين حتى إذا صاب إحداهما شيء كسب من الثانية، ولا يشك مسلم في أن أربح التجارة هي ما كانت مع الله، فهي تجارة سلعتها الطاعات وثمنها الحسنات، يضاعفن من حسنة إلى عشر إلى سبعمائة وأكثر، والذين يجيدون هذه التجارة الرابحة هم من عرفوا الله فخشوه، ولم تنقطع صلتهم به قط، وكان همهم الأول والأخير رضاه، فسبحان الله الذي وهبنا ما نتاجر به معه، ثم وفقنا إلى التجارة معه، وتفضل علينا بها، ثم هو يعطينا أجر تلك التجارة كأحسن ما يكون الأجر والجزاء، فهو خير أجر في خير تجارة، ثم هو يزيدنا من فضله فوق أجورنا، ويضاعف لمن يشاء، وأخبر الله سبحانه عن أن هذه التجارة مع الله جل وعلا حينما يريد بها المؤمن رضا الله، أنها تجارة رابحة، وأن عاقبتها إلى خير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى