مقال

الدكروري يكتب عن الإمام ذو النون المصري ” جزء 1″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام ذو النون المصري ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

الإمام ذو النون المصري كان رجلا نحيفا أسمر البشرة تعلوه حمرة، عمل بالتجارة، وعاش زخرف الدنيا، بجوهرها وجواهرها، ويذكر ابن القطفى أنه اشتغل بالكيمياء، وقال عن نفسه كنت شابا صاحب لهو ولعب، وهو القائل كيف لا أبتهج بك سرورا، وقد كنت أكدح ببابك حتى جعلتنى من أهل التوحيد، إنه أبو الفيض ذو النون ابن إبراهيم المصرى، قيل إن أصله من النوبة، وأقام فى أخميم بسوهاج، ويقول عنه صاحب الكواكب الدرية، هو العارف الناطق بالحقائق، الفاتق للطرائق، ذو العبارات الوثيقة، والإشارات الدقيقة، والصفات الكاملة، والنفس العالمة العاملة، والهمم الجلية، والطريقة المرضية، والمحاسن الجزيلة المتبعة، والأفعال والأقوال التى لا تخشى منها تبعة، زهت به مصر وديارها، وأشرق بنوره ليلها ونهارها، هو ثوبان بن إبراهيم، كنيته أبو الفيض ولقبه ذو النون، وهو أحد علماء المسلمين في القرن الثالث الهجري ومن المحدثين الفقهاء.

 

وقيل هو ثوبان بن إبراهيم وسبب تسميته بذى النون راجع إلى كرامة من كراماته التى تروى عنه، وذلك أنه قال إن امرأة قد جاءتنى فقالت إن ابنى أخذه التمساح، فلما رأيت حرقتها على ولدها أتيت النيل، وقلت اللهم أظهر التمساح، فخرج إلىَّ، فشققت عن جوفه، فأخرجت ابنها حيا صحيحا، فأخذته ومضت، وقد سمى بذى النون وليس بذى التمساح لجامع البحر بينهما، وتبركا بنبى الله يونس عليه السلام، وولد ذو النون المصري في أخميم في مصر سنة مائة وتسع وسبعين من الهجرة، الموافق عام سبعمائة وست وتسعين من الميلاد، ومن مؤلفاته كتاب حل الرموز وبرء الارقام في كشف اصول اللغات والاقلام، وهو من ضمن العلماء العرب الذين سبقوا شامبليون في فك رموز الابجدية الهيروغليفية، وكانت من الكتب والمراجع التى احتفت بسيرته هي تذكرة الأولياء، طبقات الصوفية، حلية الأولياء، الرسالة القشيرية، ومناقب الأبرار، وصفة الصفوة.

 

المختار من مناقب الأخبار، اللباب، وفيات الأعيان، سير أعلام النبلاء، مرآة الجنان، البداية والنهاية، طبقات الأولياء، النجوم الزاهرة، طبقات الشعرانى، الكوكب الدرى فى مناقب ذى النون المصرى، المكنون فى مناقب أبى الفيض ذى النون، العالم العابد العارف بالله ذو النون المصرى، وكغيره ممن يبرزون فى مجالاتهم، تعرض ذو النون لهجوم أهل عصره، ويقول صاحب كتاب الكواكب الدرية، عنه ولما تكلم بعلوم لدنية لا علم لأهل مصر بها، وشوا به إلى خليفة بغداد، فحُمل إليه فى جماعة، مغلولا مقيدا، فقدم للقتل، فكلم الخليفة، فأعجبه، فأطلقه ورفقته، وقال إن كان هؤلاء زنادقة فما على وجه الأرض مسلم، وروى الحديث عن مالك بن أنس والليث بن سعد وعبد الله بن لهيعة، ودرس على علماء عديدين وسافر إلى سوريا والحجاز، ويذكر القشيري في رسالته أنه أول من عرّف التوحيد بالمعنى الصوفي وأنه أول من وضع تعريفات للوجد.

 

والسماع والمقامات والأحوال، وقد اتهمه معاصروه بالزندقة وحاولوا الإيقاع بينه وبين الخليفة المتوكل واصفينه بأنه أحدث علما لم تتكلم به الصحابة، فاستجلبه المتوكل إليه في بغداد وكان ذلك سنة ثماني مائة وتسع وعشرين من الميلاد، ويقال أنه لما دخل عليه وعظه فبكى، فرده إلى مصر مكرما، ومن أقواله أن سعيد بن عثمان يقول سمعت ذا النون يقول مدار الكلام على أربع حب الجليل، وبغض القليل، واتباع التنزيل، وخوف التحويل، كما قال سعيد بن أحمد ابن جعفر سمعت محمد بن أحمد بن سهل يقول سمعت سعيد ابن عثمان يقول سمعت ذا النون المصري يقول من علامات المحب لله عز وجل متابعة حبيب الله، صلى الله عليه وسلم، في أخلاقه، وأفعاله، وأوامره، وسننه، وسئل ذو النون عن السفلة فقال من لا يعرف الطريق إلى الله، ولا يتعرفه، ويقول ابن رشيف، سمعت أبا دجانة يقول سمعت ذا النون يقول “لا تسكن الحكمة معدة مُلئت طعاما”

 

وسئل ذو النون عن التوبة فقال توبة العوام تكون من الذنوب، وتوبة الخواص تكون من الغفلة، وإن لله عبادا تركوا المعصية استحياء منه بعد أن كانوا تركوها خشية منه أفما وقد أنذرك، ويقول ألا إن حب الله عز وأمل، وحب غير الله خزي وخجل، ويضع الإمام عبدالحليم محمود أسبابا لتوبة ذى النون، أحدها ذهابه إلى الحج، أو لقاؤه مع شقران العابد، ويذكر محمد فريد الدين العطار النيسابورى، فى كتابه تذكرة الأولياء، سبب توبته، أنه سمع زاهدا فى مكان، فقصده، فرآه قد علق نفسه فى شجرة، ويقول يا جسدى، ساعدنى ووافقنى على طاعة الله تعالى وإلا أذرك على هذه الحال حتى تموت من الجوع، فقال ذو النون وغلب علىّ البكاء، فأحس الزاهد ببكائى، فقال من الذى ترحم على شخص قليل الحياء كثير الجرم؟ قال ذو النون فتقدمت إليه، وسلمت عليه، وقلت ما هذه الحالة؟ قال جسدى لا يستقر على الطاعة، ويريد الاختلاط مع الخلق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى