مقال

الدكروري يكتب عن الإمام ابن كمال باشا ” جزء 1″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام ابن كمال باشا ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

الإمام ابن كمال باشا هو الإمام العالم العلامة، شمس الدين أحمد بن سليمان بن كمال باشا أحد الموالي الرومية، فنسب إلى جده كمال باشا، واشتهر بابن كمال باشا، أو كمال باشا زاده، أو ابن الكمال الوزير، كما عرف واشتهر بمفتي الثقلين، لوسع اطلاعه، وعمق إحاطته بالمسائل الشرعية، وقوة محاكمته في المناظرة، وهو قاضي من العلماء بالحديث ورجاله، تركي الأصل، مستعرب، وكان رحمه الله حسن المنظر، حافظ الآداب، ولطيف الصحبة إذا جلس مع الأحباب، كريم الشأن، عظيم المكان، قليل المقال، كثير التفكر في كل حال، هذا شمة من فضائله، وبعض من شمائله وكان صاحب أخلاق حميدة حسنة، وأدب تام، وعقل وافر، وعاش زمن السلطان سليم الأول والسلطان سليمان القانوني , حيث نصبه السلطان سليمان قاضي الدولة العثمانية، واكتمل تكوينه العلمي، وصار من أكابر العلماء العثمانيين في عصره، وبلغ في العلم منزلة يشار إليه بالبنان.

 

بل أصبح أكبر ممثل للثقافة العثمانية الإسلامية في النصف الأول من القرن السادس عشر الميلادي، فملازمته لعظماء عصره في العلوم المختلفة جعلته يتقن أكثر من علم، كما يتقن أكثر من لغة إلى جانب لغته القومية وهي التركية كالفارسية، فضلا عن تَمرسه في العربية، لغة الدين والتشريع، وله في هذه اللغات الثلاث مؤلفات تكشف عن شخصيته الموسوعية، ومكانته الرفيعة في كل العلوم التي تناولها، وولد شمس الدين أحمد في سنة ثماني مائة وثلاث وسبعين من الهجرة، بمدينة طوقات من نواحي سيواس، وطوقات وسيواس هما مدينتان تقعان في شمال شرق تركيا، ويرى البعض أن مولده كان بمدينة أدرنه، وهذا مرجوح، لأن ابن كمال باشا نشأ فيها وقضى مراحل حياته الأولى بِهذه المدينة، ولذلك فإن أصحاب هذا القول ظنوا أنه ولد فيها، ونشأ أحمد شاه في بيت عز ودلال، إذ كان جده كمال أحد أمراء الدولة العثمانية، وكان ذا حظوة لدى سلاطينها.

 

حيث كان مربيا لبايزيد الثاني، ولي العهد آنذاك، ثم صار، نشانجي الديوان السلطاني، أي الذي يختم المراسم والمكاتيب بختم السلطان المعروف بطغراء السلطان ولم تذكر المراجع أنه كان عالما، ولا من تلاميذه التفتازاني، والسيد الشريف الجرجاني، كما ذكره الدكتور حامد صادق قنيبي في مقدمة تحقيق معنى النظم والصياغة لابن كمال باشا، في مجلة الجامعة الإسلامية، وترك الإمام ابن كمال باشا رحمه الله تعالى تراثا علميا عظيما، خدم به الشريعة الإسلامية، وأثرى به المكتبات بذخائر وروائع قلّ نظيرها، وعز مثيلها، ولم يترك بابا من العلوم إلا ودخله، ولم يغادر علما أو فنا إلا وله فيه مصنف أو رسالة، فلا عجب أن يفوق تعداد رسائله ومؤلفاته مائة وعشرين، ما بين متن وشرح وحاشية ورسالة ونثر، ولم يقتصر فيها على اللغة العربية، بل إنه ألف وصنف بالفارسية والتركية أيضا، وقال التاجي قلما يوجد فن من الفنون وليس لابن كمال باشا مصنف فيه.

 

وتعلم في أدرنه، وولي قضاءها ثم الإفتاء بالآستانة إلى أن مات، وله تصانيف كثيرة، منها طبقات الفقهاء، وطبقات المجتهدين، ومجموعة رسائل تشتمل على ست وثلاثين رسالة، ورسالة في الكلمات العربية نشرت في المجلد السابع من مجلة المقتبس، ورسالة في الجبر والقدر، وإيضاح الإصلاح في فقه الحنفية، وتاريخ آل عثمان، وتغيير التنقيح في أصول الفقه، وإن المترجمين له أثنوا عليه بما هو أهله، فقال عنه طاشكبري زاده “وكان رحمه الله تعالى من العلماء الذين صرفوا جميع أوقاتهم إلى العلم، وكان يشتغل بالعلم ليلا ونهارا، ولم يفتر قلمه، وصنف رسائل كثيرة في المباحث المهمة الغامض وكان صاحب أخلاق حميدة حسنة، وأدب تام، وعقل وافر، وتقرير حسن ملخص، وله تحرير مقبول جدا لإيجازه، مع وضوح دلالته على المراد، وبالجملة أنسى رحمه الله تعالى ذكر السلف بين الناس، وأحيا رباع العلم بعد الاندراس.

 

وكان في العلم جبلا راسخا، وطودا شامخا، وكان من مفردات الدنيا، ومنبعا للمعارف العليا” وكان ابن الحنائي وهو علاء الدين على بن محمد قد اتخذ من أسماء المشهورين طبقة في كتابه طبقات الفقهاء وجعل العلامة ابن كمال باشا عنوان طبقته، فقال ثم انتقل الفقه إلى طبقة المولى أحمد بن سليمان بن كمال باشا، وإن دل صنيعه هذا على شيء فإنه يدل على شهرته الواسعة، وصيته الذائع في حياته، وكذلك بعد مماته، فوصف تلميذه العلامة أبو السعود العمادي بأنه العالم الرباني، والعارف الخاقاني، فاضل الروم، والفائق في جميع العلوم، شيخ الخافقين، ومفتي الثقلين ابن كمال باشا قدر الله ما يشاء، وكذلك وصف العلامة الكفوي بأنه أستاذ الفضلاء المشاهير، إسناد العلماء النحارير، إمام الفروع والأصول، علامة المعقول والمنقول، كشاف مشكلات الكلام القديم، حلال معضلات الكتاب الكريم، مفتي الثقلين، لسان الفريقين، السائر تصانيفه سير الخافقين.

 

شيخ الإسلام والمسلمين، شمس الملة، وضياء الدين وله تصنيفات كثيرة معتبرة، متداولة بين أيدي العلماء، مقبولة لدى الفضلاء ولم يُذكر في مجلسه مسألة من كل الفنون إلا وهو كان يعلمه، وكل تصانيفه مقبولة بين الأعيان، متداولة بين أهالي الزمان، وكان عدد رسائله قريبة من مائة رسالة، كل منها جامعة الفوائد، عامة العوائد، وبالجملة أنسى رحمه الله ذكر السلف بين الناس، وأحيا رباع العلم بعد الاندراس، وكان من مفردات الدنيا، ومنبعا للمعارف العليا، شهرته تغني عن التفصيل والإطناب والحاصل ما من فن إلا وله فيه حكمة وفصل خطاب” وقال عنه تقي الدين التميمي “الإمام، العالم، العلامة، الرّحلة، الفهامة، أوحد أهل عصره، وجمال أهل مصره، من لم يخلف بعده مثله، ولم تر العيون من جمع كماله وفضله، وكان رحمه الله تعالى إماما بارعا في التفسير، والفقه، والحديث، والنحو، والتصريف، والمعاني، والبيان، والكلام، والمنطق، والأصول، وغير ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى