مقال

الدكروري يكتب عن منازل الشهداء ” جزء 1″ 

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن منازل الشهداء ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكــروري

 

إن للشهادة فى سبيل الله صور كثيرة وإن كان أعلاها هو شهيد الحرب، وإن الشهادة تنقسم إلى أنواع كثيرة ولا تختص فقط بشهيد الحرب، فالشهادة هي البذل في سبيل الله، ولتوضيح هذه الفكرة نأتى على حديث للنبى صلى الله عليه وسلم، وهو يعلم فيه أصحابه أن البذل في سبيل الله تعالى يمكن أن يكون في أيام الحرب وأيام السلم، ففى أيام الحرب البذل في سبيل الله معروف، ولكن فى أيام السلم ربما تكون معلومة غائبة عن الأذهان، فذات يوم كان النبى صلى الله عليه وسلم، واقفا مع الصحابة الكرام فرأوا رجلا ممتلئا نشاطا وهمّة وطاقة، ويبدو أن بنية جسمه كانت صلبة وقوية ما جعل الصحابة يعجبون بقوته وطاقته، فقالوا لو كان هذا الرجل يخرج في سبيل الله فينتفع به المسلمين، فأجابهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، إجابة تعلمهم ونحن معهم، ما معنى أن يكون الرجل في سبيل الله، فقال لهم صلى الله عليه وسلم.

 

“إن كان خرج يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان” فإن هذه صور توضح أن الخروج في سبيل الله لا يقتصر فقط على القتال في المعارك، وإذا علمنا أن الإسلام لا يرى البذل في سبيل الله مقصورا على البذل في المعارك، فمن باب أولى أن يكون للشهادة أنواع أخرى غير الاستشهاد في المعركة، وإن من الشهداء الذين ذكرهم النبى الكريم صلى الله عليه وسلم، هو صاحب السل، ومن مات بذات الجنب، والحريق، وصاحب الهدم، والمرأة تموت جمعاء بإبنها في بطنها، والنفساء، ومن قتل دون ماله أو دينه أو عرضه أو دمه، وقد أوضح لنا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، من هم سادات الشهداء عند الله تعالى فقال “سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب.

 

ورجل قال إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله” ولكن ذلك لا يعني أن نجهر بنصح الإمام من فوق المنابر، فالسلطان يناصح سرا كما ورد فى الحديث “من كانت عنده نصيحة لذي سلطان فلا يكلمه بها علانية، وليأخذ بيده وليخلو به، فإن قبلها قبلها وإلا كان قد أدى الذي عليه” وخير الشهداء من قتل يوم بدر، فقد قال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم في شأن حاطب بن أبي بلتعة ” إنه قد شهد بدرا، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال ” اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم” وإن أفضلهم شهداء الصحابة، فهم أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، لا كان ولا يكون مثلهم، ولقد أعد الله سبحانه وتعالى للشهداء من الأجر العظيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فلقد أعد لهم دار الخلود، ودار الخلود هى التى وعد عباده من كان منهم تقيا، ومن أتقى وأكرم من الشهيد سوى من رضي الله من الأنبياء والصالحين ممن رفعهم مكانا عليا.

 

فإن منازل الشهداء عند الله عز وجل لا يبلغها أى مخلوق، وقد ذكر الله أجر الشهداء في القرآن فقال سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم ” ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا، بل أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون” وإن الشهداء عندما صعدت أرواحهم إلى السماء ورأوا ما كانوا يوعدون فرحوا بعطاء الله تعالى، ولكنهم حزنوا على أهلهم وإخوانهم الذين يحزنون عليهم فى الدنيا، فسألوا الله تعالى أن يطمئن أهلهم عنهم، فأنزل الله عز وجل هذه الآيات ليواسى أهلهم، فقد رأى الشهيد من الأجر العظيم ما لم يره غيره وما لم يتوقعه هو نفسه، فمنها أنه حى عند ربه، ومنها أنه مع الأنبياء والصديقين في منزلة رفيعة عند الله تعالى، ومنها أنه لا يشعر بألم ولا عذاب عند موته، ومنها أنه لا يعذب في قبره ولا يوم القيامة.

 

ومنها أن منزلته في الفردوس الأعلى، ومنها غير ذلك مما استأثر الله تعالى به في علم الغيب، ولعل مفهوم الشهادة لا يقتصر على قتلى الحروب ضد أعداء الديانة، بل هم فروع وصنوف، وأعلاها منزلة هو الذى قد بذل دمه ونفسه في سبيل الله، ولذلك ينبغي لنا أن نعلم أن أحكام الشهيد تختلف باختلاف صورة استشهاده، وأنه ليس الشهيد في الإسلام نوعا واحدا، بل للشهداء أنواع في الشريعة الإسلامية، وإن أنواع الشهداء في الإسلام كما قررها الفقهاء ثلاثة أنواع، فمنهم شهيد الدنيا والآخرة، ويعني الذى يعرف أنه شهيد في الدنيا والآخرة، وهو أعلى مراتب الشهادة، وهو الذي قد خرج صادقا لقتال الكفار وقتل فى ذلك القتال، وأما الصنف الثانى فهو شهيد الدنيا، وهو الذى قد خرج للقتال رياء، فهذا لا يعلم سريرته إلا الله تعالى، فمن الممكن أن يعتقد الناس أنه شهيد، ولكنه في الحقيقة ليس شهيدا عند الله تعالى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى