مقال

الدكروري يكتب عن تأثيرات العصر العباسي ” جزء 8″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن تأثيرات العصر العباسي ” جزء 8″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ومؤلفات فلكية ناقش خلالها كروية الأرض وعدم تمركزها في قلب العالم كما اشتهر علم التاريخ، وفق الروايات المتناقلة، ومن المؤرخين ابن كثير والمقريزي، وانبثق منه علم أنساب العرب، وتدوين سير أعلامهم، ومن الكتب الهامة في هذا الصدد كتاب وفيات الأعيان لابن خلكان ومن العلوم التي نشأت أيضا في كنف العباسيين علم الجبر، وقد ابتكر الخوارزمي أول لوغاريتم في العالم ولم يقتصر الأمر على المسلمين إذ برز العديد من العلماء غير المسلمين، كثيوفيل بن توما، الذي شغل منصب كبير علماء الفلك لدى الخليفة، وقيس الماروني، المؤرخ الذي وضع مؤلفا أرخ فيه تاريخ البشرية، منذ خلق آدم وحتى خلافة المعتضد، وجرجس بن بختيشوع، المولود عام سبعمائة وواحد وسبعين ميلادي وجبريل بن بختيشوع تلميذه المولود عام ثماني مائة وتسع ميلادي، وهم أبناء أسرة مسيحية من الأطباء والعلماء، وحنين بن إسحاق، وابن أخته حبيش بن الأعسم.

 

وعبد المسيح الكندي من القرن التاسع، ويوحنا بن ماسويه والذي كان أبوه قبله، مدير مشفى دمشق خلال خلافة هارون الرشيد، وغيرهم وفي الواقع فإنه من الصعب حصر جميع علماء العباسيين ومؤلفاتهم، لكثرتها وتنوعها، وكما اهتم العباسيون بترجمة الكتب والمخطوطات القديمة إلى العربية، فشكل ذلك بداية الثورة الفكرية والحضارية في العصر العباسي، وكان العرب يجهلون اللغة اليونانية التي دونت بها أغلب المؤلفات العلمية القديمة أمثال أرسطو وأفلاطون وغيرهما ومع اهتمام الخلفاء، خصوصا أبو جعفر المنصور وهارون الرشيد وابنه المأمون بالعلوم، عهدوا بعملية الترجمة إلى السريان، وبشكل أقل إلى الفرس وقد كانت الترجمات تتم على مرحلتين، من اليونانية إلى السريانية، ثم من السريانية إلى العربية، وكذلك نقل العرب، الأدب السرياني بكامله إلى لغتهم، وقد اعترف المؤلفون العرب القدماء، كابن أبي أصيبعة، والقفطي، وابن النديم والبيهقي، وابن جلجل وغيرهم.

 

بقصة غزو العرب للأدب السرياني، والمؤلفات التي ترجمت عن السريانية إلى العربية في أرجاء الدولة العباسية والأندلس، وكما ازدهرت الترجمة على أيدي السريان، في الفترة الواقعة بين عامي سبعمائة وخمسين إلي تسعمائة ميلادي، فقد عكفوا على ترجمة أمهات الكتب السريانيّة واليونانيّة والفارسية إلى العربية، وكان على رأس أولئك المترجمين في بيت الحكمة هو حنين بن إسحاق الطبيب النسطوري، فقد ترجم إلى اللغة السريانية مائة رسالة من رسائل جالينوس، وإلى العربية تسع وثلاثين رسالة أخرى، وترجم أيضا كتب المقولات الطبيعية والأخلاق الكبرى لأرسطو، وكتاب الجمهورية، وكتاب القوانين والسياسة لأفلاطون فكان المأمون يعطيه ذهبا زنة ما ينقله من الكتب، وقام ابنه اسحق في أعمال الترجمة أيضا فنقل إلى العربية من كتب أرسطو الميتافيزيقيا والنفس وفي توالد الحيوانات وفسادها، كما نقل إليها شروح الإسكندر الأفروديسي، وهو كتاب كان له أثر كبير في الفلسفة الإسلامية.

 

وكان قسطا بن لوقا يشرف على الترجمة من اللغات اليونانية والسريانية إلى العربية وقد أقام المأمون يوحنا بن البطريق الترجمان أمينا على ترجمة الكتب الفلسفية من اليونانية والسريانية إلى العربية، وتولى كتب أرسطو وأبقراط ولم يكن الخلفاء وحدهم يهتمون بالترجمة والنقل إلى العربية، بل نافسهم الوزراء والأمراء والأغنياء، وأخذوا ينفقون الأموال الطائلة عليها فيقول ابن الطقطقي إن البرامكة شجعوا تعريب صحف الأعاجم، حتى قيل إن البرامكة كانت تعطي المعرب زنة الكتاب المعرب ذهبا، وبالغ الفتح بن خاقان في إنفاق الأموال على الترجمة والتأليف، وكان عبد الملك بن الزيات لا يقل عنه سخاء في هذا المجال، وبسبب هذا النشاط ينحو عدد من الباحثين لاعتبار النشاط السرياني وما رافقه من حركات الترجمة، عنصرا أساسيا من عناصر خلق الحضارة العربية، وقد أسهم ذلك، في الوقت نفسه، في إحلال العربية كلغة تخاطب بين السريان بدلا من السريانية.

 

وذلك في العراق على وجه الخصوص، غير أن هذه العملية لن تنتهي قبل القرن الثالث عشر، وكما كان النظام الاقتصادي في الدولة العباسية، كأي نظام قبل الثورة الصناعية، فهو نظام إقطاعي، وقوامه الزراعة وقد كانت الأراضي الخصبة مقسمة إلى أربعة قطاعات أراضي الدولة التي تعود أرباحها مباشرة للخليفة أو السلطان أو كبار قادة الجيش، وأراضي الأوقاف التي كانت تشكل ممولا أساسيا للمساجد والمدارس الفقهية، وأراضي الإقطاعيات الخاصة حيث تكون مملوكة لمتنفذي المدن ووجهائها، مع وجود نوع رابع قليل الانتشار تمثل في الملكية الخاصة للأفراد، وكان الفلاحون يعملون كعبيد أو أقنان لدى ملاك الأراضي، ويستقرون في قرى صغيرة تبنى بالقرب منها، ويقتاتون من حصتهم من غلال الأرض، وإذا ما احتاجوا شيئا كانوا يشترونه من الباعة المتجولين، أو أسواق المدن القريبة فالحياة القروية كانت مستقرة ومزدهرة، وكان يعيقها انعدام الأمن، خصوصا خلال عهود ضعف الدولة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى