مقال

الدكروري يكتب عن الرسول ما بين الحصار والخروج ” جزء 6″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الرسول ما بين الحصار والخروج ” جزء 6″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

وكان من بنود المقاطعة ذلك البند الذي ينص لا يدعوا شيئا من اسباب الرزق يصل اليهم ويهدف الى تفويت الفرصة على مَن يحاول الاحتيال بإهداء الطعام لهم بدلا من البيع، وحتى لا تكون عملية الإهداء وسيلة أو ذريعة لإيصال الطعام اليهم تحت أي مسمى لتخفيف الحصار، ولقد ورد في الكتب السيرة ان المُحاصرين في شعب ابي طالب اضطروا أن يأكلوا ورق الشجر والجلود من شدة الجوع لعدم وجود أي طعام يدفعون به شبح الموت جوعا، واما تعليق الصحيفة في جوف الكعبة ، فيهدف الى إضفاء صفة قدسية لهذه المعاهدة الشرسة وإعطاء انطباع بضرورة الالتزام بها دينيا، فكان في مكة المكرمة، ومن حوالي ألف وربعمائة وثلاثة وأربعون سنة كان الحكم والسيادة لقبيلة الكفر التي أعلنت الحرب على دعوة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ومن أمن معه بالتعذيب والقهر والمطاردة والسخرية ثم كان الحصار والمسلمون قلة ضعيفة.

 

ومع ذلك حدث أمر عجيب غير متوقع من بنو هاشم وعبد المطلب فقد حاصر كفار قريش القلة المؤمنة، حيث قال ابن القيم لما رأت قريش أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلو والأمور تتزايد أجمعوا أن يتعاقدوا على بني هاشم وبني المطلب وبني عبد مناف ألا يبايعوهم ولا يناكحوهم ولا يكلموهم ولا يجالسوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في سقف الكعبة، وهنا كان سهل جدا على بنو هاشم، وعبد المطلب وهم على الكفر مخالفين للنبي صلى الله عليه وسلم ودعوته أن يعلنوا أن مصلحتهم تقتضي أن يتركوا النبي صلى الله عليه وسلم فهو يخالف دين الأباء ويسبب لهم مفاسد وصلت أن أجتمعت عليهم قريش وهم السادة ولكن التاريخ يذكر موقفا عجيبا، ويقول ابن القيم، فانحازت بنو هاشم وبنو المطلب مؤمنهم وكافرهم إلا أبا لهب فإنه ظاهر قريشا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبني هاشم وبني المطلب.

 

وحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه في شعب أبي طالب ليلة هلال المحرم سنة سبع من البعثة، وظلوا محصورين مضيقا عليهم جدا مقطوعا عنهم الميرة والمادة نحو ثلاث سنين حتى بلغ بهم الجهد، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم، مع القلة المؤمنة يحتسبون الأجر من الله فما بال كفار بنو هاشم وعبد المطلب صابرين معهم على الجوع والحصار والمقاطعة ثلاث سنوات ولا ناقة لهم ولا جمل إلا أعلاء القيم التي تربوا عليها، وقد جاء الفرج من الله تعالى ثم أطلع الله رسوله صلى الله عليه وسلم على أمر صحيفتهم وأنه أرسل إليها الأرضة فأكلت جميع ما فيها من جور وقطيعة وظلم إلا ذكر الله عز وجل، فأخبر بذلك عمه فخرج إليهم فأخبرهم أن ابن أخيه قال كذا وكذا، فإن كان كاذبا خلينا بينكم وبينه، وإن كان صادقا رجعتم عن ظلمنا، فأنزلوا الصحيفة فلما رأوا الأمر كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ازدادوا كفرا وعنادا وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الشعب،

 

ويُعتبر حدث هجرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم إلى المدينة حدثا حاسما ومفصليا ليس في التاريخ الإسلامي فحسب، وإنما في التاريخ الإنساني أجمع، فقد كان لهجرة النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم تداعيات كبرى على الدعوة المحمدية التي جاءت تحمل في طياتها قيما روحانية سامية، جعلت الحضارة الإسلامية تتبوأ مكانة رفيعة بين الحضارات، وإن الهجرة إلى المدينة سبقها تمهيد، وإعداد، وتخطيط من النبى صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك بتقدير الله تعالى، وتدبيره، وكان هذا الإعداد في اتجاهين، هو إعداد في شخصية المهاجرين، وإعداد في المكان المهاجر إليه، فقد حدث أولا التمهيد، والإعداد لها من حيث إعداد المهاجرين، فلم تكن الهجرة نزهة، أو رحلة يروح فيها الإنسان عن نفسه ولكنها مغادرة الأرض، والأهل، ووشائج القربى، وصلات الصداقة والمودة، وأسباب الرزق، والتخلي عن كل ذلك من أجل العقيدة، ولهذا احتاجت إلى جهد كبير.

 

حتى وصل المهاجرون إلى قناعة كاملة بهذه الهجرة، ومن تلك الوسائل هو التربية الإيمانية العميقة وكذلك الاضطهاد الذي أصاب المؤمنين، حتى وصلوا إلى قناعة كاملة بعدم إمكانية المعايشة مع الكفر، وقد تناول القرآن المكى التنويه بالهجرة، ولفت النظر إلى أن أرض الله واسعة، فقال الله تعالى فى سورة الزمر ” قل يا عبادى الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا فى هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب” ثم تلا ذلك نزول سورة الكهف، والتي تحدثت عن الفتية الذين آمنوا بربهم، وعن هجرتهم من بلدهم إلى الكهف، وهكذا استقرت صورة من صور الإيمان في نفوس الصحابة، وهي ترك الأهل، والوطن من أجل العقيدة ثم تلا ذلك آيات صريحة تتحدث عن الهجرة في سورة النحل، فقال تعالى ” والذين هاجروا فى الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم فى الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون، الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون” وفي أواخر السورة يؤكد المعنى مرة أخرى بقوله تعالى فى سورة النحل ” ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى