مقال

الدكروري يكتب عن الوطن ذاكرة الإنسان ” جزء 6″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الوطن ذاكرة الإنسان ” جزء 6″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

فإذا كانت التضحية في كل ما سبق في الجانب الإيجابي، فكذلك تكون التضحية في الجانب السلبي، لأن صاحبه يعتقد فكرة أو حرفة أو جريمة يضحي بكل شيء من أجلها مع أنها باطلة ومحرمة فأنت ترى أن السارق يضحي من أجل سرقته ولو أدى ذلك إلى حبسه وسجنه وترى الزاني يضحي من أجل شهوته وترى شارب الخمر يضحي بالغالي والرخيص من أجل سكره، وترى صاحب الأفكار المتطرفة الهدامة العفنة يضحي بنفسه وماله من أجل ترويج باطله، حتى ولو أدى ذلك بحياته، فالمخلص لوطنه من يحمل أدوات البناء والتشييد، والمعادي له من يحمل معاول الهدم والتخريب، والمحب لوطنه من ينشد الخير والسلام والأمن لبلده ومجتمعه، وعكسه هو الذي يسعى لإذكاء الفتن وإشعال الحرائق ويمارس الإرهاب والجريمة المنظمة، وإن جميع هؤلاء يتغنون باسم الوطن ويدعون خدمته والعمل لصالحه، واختلطت على العامة المفاهيم والأعمال.

 

وبات من الصعب في العديد من الحالات والظروف والأوضاع والاضطرابات السياسية والأمنية التمييز بين المصداقية والزيف في استخدام هذه الشعارات، وبين المواطن الصالح الناصح الباني لوطنه، وذلك الكاذب المضلل المتاجر بقضايا وطنه وشعبه، بين من يدافع عن الوطن ومن يخونه، ومن حب الوطن هو أن تنظروا إلى بلال بن رباح رضي الله عنه وهو عبد حبشي كان يسكن مكة ولما هاجر كان يحن إليه وهي الأرض التي عذبته، وكان يفول ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة، بفخ وحولي إذخر وجليل، وهل أردن يوما مياه مجنة، وهل يبدون لي شامة وطفيل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى أصحابه من المهاجرين يشتاقون إلى بلدهم دعا الله ” اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة وأشد حبا ” ولا عجب فحب الوطن من الإيمان وقديما قال الحكماء إن الحنين من رقة القلب ورقة القلب من الرعاية، والرعاية من الرحمة.

 

والرحمة من كرم الفطرة وكرم الفطرة من طهارة الرشدة أي صحة النسب، وطهارة الرشدة من كرم المحتد، أي الأصل وقال أخر ميلك إلى مولدك من كرم محتدك وقال بعض الفلاسفة فطرة الرجل معجون بحب الوطن ولذا قال أبقراط يداوي كل عليل بعقاقير أرضه فان الطبيعة تتطلع لهوائها وتنزع إلى غذائها، وقالت الهند حرمة بلدك عليك كحرمة أبويك لأن غذائك منها وأنت جنين وغذاءهما منه وقال أخر من إمارات العاقل بره لإخوانه وحنينه لأوطانه ومداراته لأهل زمانه، وكانت العرب إذا غزت وسافرت حملت معها من تربة بلادها رملا وعفرا أى ترابا، حتى تستنشقه عند نزلة أوزكام أو صداع، لذلك كانت السيدة عائشة رضي اله عنها دائما تقول “ما رأيت القمر أبهي ولا أجمل مما رأيته في مكة” وذلك كناية علي حبها وعشقها وشدة حنينها للوطن، فإن الوطن هو بضع أحرف تكون كلمة صغيرة في حجمها، ولكنها كبيرة في المعنى.

 

فالوطن هو بمثابة الأم والأسرة، وهو الحضن الدافئ لكل مواطن على أرضه، وهو المكان الذي نترعرع على أرضه، ونأكل من ثماره ومن خيراته، فمهما ابتعدنا عنه يبقى في قلوبنا دائما، هو الأرض التي نبت فيها الإنسان وترعرع، والسماء التي أظلته، والهواء الذي يتنفسه، والماء الذي يشربه، والخير الذي يأكل منه، وقد تغنى الشعراء بحب الوطن، فقال أحد الشعراء، وطنى نشأت بأرضه ودرجت تحت سمائه ومنحت صدري قوة بنسيمه وهوائه ماء الحياة شربته لما ارتويت بمائه وملأت جسمى عزة حين اغتذى بغذائه ولذلك يجب أن نحافظ على وطننا بالدفاع عنه وقت الخطر، وحمايته من كيد الأعادي، وفي وقت السلم نعمل مخلصين لرفع علم بلادنا عاليا، وفي الحرب نهب للدفاع عن الوطن ونقدم أرواحنا فداء له، وإن حب الوطن شعور كم خفقت به القلوب وشوق كم كلفت به الأفئدة وحنين يزلزل مكامن الوجدان.

 

وحب أطلق قرائح الشعراء وهوى سُكبت له محابر الأدباء وحنين أمض شغاف القلوب وإلف يأوي إليه كرام النفوس وسليم الفطر، وحب لم يتخل منه مشاعر الأنبياء وود وجد في قلوب الصحابة والأصفياء، بل هو شعور تغلغل في دواخل الحيتان تحت الماء ورفرفت لأجله أجنحة الطير في السماء، إنه أيها المسلمون حب الأوطان، فقال أهل الأدب إذا أردت أن تعرف الرجل فانظر كيف تحنته إلى أوطانه وتشوقه إلى إخوانه وبكاؤه على ما مضى من زمانه، وإن المحبة للأوطان والانتماء للأمة والبلدان أمر غريزي وطبيعة طبع الله النفوس عليها، وحين يولد الإنسان في أرض وينشأ فيها فيشرب ماءها ويتنفس هواءها ويحيا بين أهلها فإن فطرته تربطه بها فيحبها ويواليها، ويكفي لجرح مشاعر إنسان أن تشير بأنه لا وطن لهن وقد اقترن حب الأرض بحب النفس في القرآن الكريم، فقال الله عز وجل فى سورة النساء ” ولو أنا كتبنا عليهم أن أقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم “

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى