مقال

الدكروري يكتب عن تعرضوا لنفحات ربكم

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن تعرضوا لنفحات ربكم

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن من فضل الله تعالي على عباده أن جعل لهم مواسم للطاعات تتضاعف فيها الحسنات، وترفع فيها الدرجات، ويغفر فيها كثير من المعاصي والسيئات، فالسعيد من اغتنم هذه الأوقات وتعرض لهذه النفحات، وقد جاء في الحديث الذي أخرجه ابن أبي الدنيا والطبراني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ” اطلبوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة ربكم، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، فاسألوا الله أن يستر عوراتكم ويؤمّن روعاتكم” وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” إن لله في أيام الدهر نفحات فتعرضوا لها، فلعل أحدكم أن تصيبه نفحة فلا يشقى بعدها أبدا ” فإن أعمار هذه الأمة هي أقصر أعمارا من الأمم السابقة، فقال صلى الله عليه وسلم ” أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين ” رواه الترمذي وابن ماجة، ولكن الله بمنه وكرمه عوضها بأن جعل لها كثيرا من الأعمال الصالحة التي تبارك في العمر.

 

فكأن من عملها رزق عمرا طويلا، ومن ذلك ليلة القدر التي قال الله فيها “ليلة القدر خير من ألف شهر” وقال الرازي ” اعلم أن من أحياها فكأنما عبد الله نيفا وثمانين سنة، ومن أحياها كل سنة فكأنما رزق أعمارا كثيرة ” ومن الأعمال المباركة أيضا التي يتضاعف فيها الأجر على قلة العمل الصلاة حيث فرضت علينا خمس فى العمل وخمسين فى الأجر والثواب، ومن الأوقات المباركة أيضا هذه العشر التي ورد في فضلها آيات أحاديث فها نحن نعيش في هذه الأيام مواسم الخيرات والطاعات التي أكرمنا بها رب الأرض والسماوات فهى مواسم الصلاح التي يُضاعف للمؤمنين فيها من الأجور والأرباح، وهذه هبات ربانية لا تكون إلا للأمة المحمدية أمة العمل القليل والأجر الكبير والفضل العظيم، وقد أخرج البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” مثلكم ومثل أهل الكتابين كمثل رجل استأجر أجيرا.

 

فقال من يعمل لي غدوة إلى نصف النهار على قيراط؟ فعملت اليهود، ثم قال من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط؟ فعملت النصارى، ثم قال من يعمل لي من صلاة العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين؟ فأنتم هم، فغضبت اليهود والنصارى وقالوا ما لنا أكثر عملا وأقل أجرا؟ قال هل نقصتكم من حقكم شيئا؟ قالوا لا، قال ذلك فضلي أوتيه من أشاء ” وإن إدراك هذه العشر نعمة عظيمة من نعم الله تعالى على عبده، لأنه يدرك موسما من مواسم الطاعة التي تكون عونا للمسلم بتوفيق الله، على تحصيل الثواب واغتنام الأجر، فعل المسلم أن يستشعر هذه النعمة، ويستحضر عظم أجر العمل فيها، ويغتنم الأوقات، وأن يُظهر لهذه العشر مزية على غيرها، بمزيد الطاعة، وهذا شأن سلف هذه الأمة، كما قال أبو عثمان النهدي رحمه الله “كانوا يعظمون ثلاث عشرات، العشر الأخير من رمضان، والعشر الأول من ذي الحجة، والعشر الأَول من المحرم”

 

وأبو عثمان النهدي قد مات في نهاية القرن الأول، وإن من فضائل العشر من ذي الحجة أن الله أقسم بها، ومعلوم أن الله إذا أقسم بشيء دل ذلك على عظمته وأهميته، وقد أقسم الله تعالى بها كما أقسم بأشياء أخرى عظيمة غيرها ليدل على عظمها وأهميتها وفضلها فقد أقسم الله تعالى بالقلم، وأقسم الله تعالى بالليل والنهار، وكما أقسم الله تعالى بالليل والنهار أقسم الله تعالى ببعض أجزاء النهار فقد أقسم الله تعالى بالفجر، وأقسم الله تعالى بالشمس وضحاها والقمر إذا تلاها والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها والسماء وما بناها والأرض وما طحاها ونفس وما سواها وأقسم الله تعالى بالضحى، وأقسم الله تعالى بالعصر، وأقسم الله تعالى ببعض المأكولات وبعض الأماكن فقد أقسم بالتين والزيتون وطور سينين والبلد الأمين، والليالي العشر المراد بها عشر ذي الحجة كما قال بذلك ابن عباس، وابن الزبير، ومجاهد وقتادة والضحاك والسدى ومقاتل ومسروق.

 

وغير واحد من السلف والخلف، ومن فضلها أنها الأيام المعلومات التي شرع الله فيها ذكره عما رزق من بهيمة الأنعام، وقال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالي “ويذكروا اسم الله فى أيات معلومات” والأيام المعلومات هى أيام العشر، والأيام المعدودات هى أيام التشريق أي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة” رواه البخاري معلقا مجزوما به، وهو صحيح، قاله النووي، وهو قول الشافعي، والمشهور عن أحمد بن حنبل، وقال ابن رجب رحمه الله وجمهور العلماء على أن هذه الأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة، ومن فضلها أنها من جملة الأربعين يوما التي واعدها الله سبحانه وتعالى نبى الله موسي عليه السلام فقال تعالى فى سورة الأعراف” وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة” وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية وقد اختلف المفسرون في هذه العشر، ما هي ؟

 

فالأكثرون على أن الثلاثين هي ذو القعدة والعشر، هى عشر ذي الحجة، وقال بذلك مجاهد، ومسروق، وابن جريج، وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيرهم، وروي أبو الزبير عن جابر رضي الله عنه قال ” وأتممناها بعشر” قال عشر الأضحى، وعن مجاهد رحمه الله قال “ما من عمل من أيام السنة أفضل منه في العشر من ذي الحجة، قال وهي العشر التي أتممها الله عز وجل لموسي عليه السلام”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى