مقال

الدكروري يكتب عن شريعة الإسلام السمحاء

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن شريعة الإسلام السمحاء

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن رسول الله صلي الله عليه وسلم جاء ليقيم الملة العوجاء، وينشر شريعة الإسلام السمحاء لتكون هي الحاكمة لأهل الأرض، فلا قانون ولا دستور ولا عرف ولا رأي يقدم على شريعة السماء التي جاء بها سيد الأنبياء، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحبس سيلان الدم الحرام، ويحفظ الأعراض والأموال والعقول من خمور الشبهات وخمور الشهوات، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس ليعرفهم حقوق بعضهم على بعض حق الراعي، وحق الرعية، وحق الوالدين، وحق الجيران والأقارب، بل وحق الكفار علينا، فإن حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم مدرسة عملية لكل الأجيال، ومنهل عذب لصلاح الدين والدنيا والآخرة، وإن حياته صلى الله عليه وسلم هي الحياة السعيدة لمن يريد الحياة السعيدة بجميع صورها وجوانبها وهي درس نافع للأرواح والأبدان والنفوس والعقول والقلوب، وهي درس مفيد للحاكم العادل.

 

والعالم العامل وللمربي الناجح، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعبد الناس لربه وأتقاهم، وأشجعهم وأحلمهم، وأكثرهم تواضعا، وأحرص الناس على جمع كلمة المسلمين ولم شعثهم وتوحيد صفهم، ولقد كان الظلام في ذلك الوقت يخيم في كل مكان، والضلال يضرب أطنابه في كل جهة، والجهل هو الحاكم الذي يأمر وينهى فيطاع، وفي تلك الأحوال القاتمة لا يرى الرائي إلا أصناما قائمة، وجباها بين يديها ساجدة، وأيادي إليها ممتدة، وقلوبا فيها راغبة وراهبة، فقد عاش الكون آنذاك في شك وحيرة، وعمى وتخبط، لم يرى نور يد تنتشله من عمهه ولياليه المدلهمة، حتى أذن الله بسطوع صباح أضاء الخافقين، فجاء إلى الثقلين، فملاء الوجود صفاء ونقاء، وكسا الأرض بهاء وسناء، فتبسمت الأرجاء بانبلاج هذا الفجر الصادق، وتوالت بشرى الهواتف أن قد ولد المصطفى وعم الهناء، ولد الهدى فالكائنات ضياء، وفم الزمان تبسم وثناء.

 

وتعطر الكون الفسيح بنوره، وتوالت الأنوار والأنداء، فإن الله تعالى أكرم آخر الأمم بإرسال خير الأنبياء والمرسلين إليها ليكون شاهدا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، فأخرج الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم من خير بقاع الأرض كلها، وجاء به من أشرف نسب في العرب ممتدا إلى نبي الله إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، فهو خيار من خيار من خيار، ولقد تربى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعين الله ترعاه، وتحرس سيره وخطاه من كل شائبة في عقله وعمله وخُلقه، فما قارف الآثام، ولا مال إلى الأصنام، ولا وصلت إليه يد حقد يهودية بالقتل والإيذاء وقد أرادت ذلك فحال الله بينهم وما يشتهون، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذا الدين القريبَ والبعيد، والنائي والصديق، والحر والعبد، والرجل والمرأة، والصغير والكبير، والعربي والعجمي، فلقي من قومه صنوف الأذى فقالوا كذاب، وهم الكذبة، وقالوا ساحر وكاهن.

 

وهم يعرفون في قرارة أنفسهم أنه ليس كذلك، ولكن ماذا يقولون للناس ليصدوهم عن محمد صلى الله عليه وسلم الذي يمتد نوره إلى القلوب يوما بعد يوم؟ فقد سبوه وشتموه، وسخروا منه ورجموه، وألقوا عليه سلا جزور، وهو مع ذلك رابط الجأش ماضى في طريقه لا يلوي على شيء قائلا صلى الله عليه وسلم “اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون” وقال بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئا، ثم لما زاد الشقاق، وضاق الخناق خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنور إلى خارج مكة لعله يجد أرضا تقبل هذا النور السماوي، فذهب إلى الطائف مع مولاه زيد بن حارثة رضي الله عنه فلقي من أهل الطائف أشد مما لقي من قريش فقد رموه حتى أدموه، فعاد كئيبا حزينا، فأذن الله له بالهجرة إلى المدينة حيث الأمن والنصرة والجو البعيد عن أذى مشركي قريش وكبريائها، ومن هناك تشعشع النور فشرّق وغرّب.

 

وأنجد وأتهم وبلغ أنحاء الدنيا،وقد وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة النبوية فأسس دولة الإسلام الأولى التي دانت لها الدنيا بعد ذلك ردحا من الزمن، وقبل أن يبني الدولة الإسلامية بنى رجالها بناء متكاملا، فقامت على كواهلهم وانطلقوا منها يفتحون البلدان وقلوب أهلها معها،أولئك الرجال الذين رباهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فأحسن تربيتهم، لم يشهد التاريخ لهم مثالا في جميع جوانب الحمد والمجد، ومع مرور سنوات قليلة تكامل الإسلام في المدينة عقيدة وشريعة، وبلغ القاصي والداني، وجاءت الوفود من كل حدب وصوب يعلنون إسلامهم راغبين، وصار للمسلمين دولة منيعة الجانب، مرفوعة الراية، فخرجت عن الجزيرة بعد ذلك لتنشر الهدى خارجها ليصير دين الإسلام ظاهرا على الأديان كلها، ولو كره المشركون، فلما قر الله عين رسوله صلى الله عليه وسلم بما رأى من علو الدين وظهوره، وصلاحية أصحابه لحمل أمانته من بعده، واكتمل الإسلام وأتم الله به النعمة على العالمين، حينذاك آذن الله رسوله صلى الله عليه وسلم بوداع الحياة والأحياء بعد ثلاث وعشرين سنة من الكفاح والنجاح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى