مقال

الدكروري يكتب عن الكفارات

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الكفارات

بقلم / محمــــد الدكـــــروري

 

إن النفس في الإسلام هي ملك لله سبحانه وتعالى، ولابد أن تعيش آمنة مطمئنة وفق شرع الله، فلا يحق لصاحبها أن يوردها المهالك، أو يحملها فوق طاقتها، ولا أن يقتل المرء نفسه للخلاص من قلق حلّ به في الدنيا، لأي سبب من الأسباب، وإن من الوسائل لتكفير الذنوب هو الكفارات، حيث إن الذنوب التي يرتكبها الإنسان ذات بعد اجتماعي حتى لو كان ذلك الذنب هو الإفطار في شهر الصيام، فكيف لو تم هذا الافطار من زنا، فهناك مجموعة من الذنوب التي يرتكبها المسلم لها آثار اجتماعية وخيمة، ومن أجل تصحيح الموقف كان لابد لمن ارتكب الذنب أن يعوض المجتمع بجزء من ماله، لإطعام ستين مسكينا أو عشرة مساكين في بعض الموارد، ويُسمى هذا المال الذي يدفعه المسلم عوضا عن ارتكابه لهذا الذنب بالكفارة، فالكفارة إذن هو وسيلة من وسائل تحقيق الأمن الاجتماعي فهو من ناحية يمنع التجاوز على قيم وضوابط المجتمع.

 

بتشريع الضريبة المالية الموجعة في بعض المرات، ومن جانب آخر يعوض المجتمع بالأخص الطبقة الفقيرة بمقدار من المال عند قيامه بالتجاوز فعلا، ولاشك ان هذا الأسلوب وهو الكفارات، يقوم على فكرة واقعية وراقية وهي إن للذنوب التي قد يرتكبها المسلم آثارا اجتماعية، وانها تتسبب في فقد التوازن الاجتماعي ومن أجل إعادة هذا التوازن للمجتمع لابد من توجيه عقوبة مالية لمرتكب الذنب، وهي مقدار من المال تصرف على فقراء المجتمع، وكذلك أيضا فإن هناك أشهر وأماكن الحرم، فإنه لشدة اهتمام الإسلام بالأمن الاجتماعي حدد لنا أربعة أشهر حرم يحرم فيها القتال، كما وحدد بعض الأماكن المقدسة التي يحرم فيها حمل السلاح كالمسجد الحرام، وهذا يعني في الواقع إن الإسلام ضد الحرب والقتال وانه دين السلام والمحبة، وانحصار الأشهر الحرم بأربعة أي ثلث السنة لا يعني أنه يدعو إلى القتال في الأشهر الأخرى.

 

بل هو من باب تدريب الناس على التعايش السلمي والابتعاد عن الحرب حدد هذه الأشهر الأربعة لتتأصل هذه العادة في النفوس التي اعتادت على التصارع والقتال والعنف ثم لتتحول إلى قيمة اجتماعية وحضارية، وأنه مهما اشتد أوار الصراع في الأرض فثمة أماكن آمنة حددها الإسلام يستطيع أن يلتجأ إليها الإنسان الخائف على حياته، ففي هذه الأماكن سيجد مأمنه ويزول عنه الخوف حيث ليس هناك من يهدده في حياته أو ماله، وهذا مما يمنح الإنسانية مقدارا من الشعور بالأمن والاستقرار بأن ثمة أماكن يمكن له أن يطمئن اليها على حياته مهما كانت الخطورة الموجهة إليه، وهذه الفرصة يمنحها الإسلام للإنسان الخائف على حياته بسبب اعتداء ظالم موجه إليه وهو بالطبع لا يشمل المجرمين الذين يفرون إلى هذه الأماكن للتخلص من العقاب فهؤلاء لا يحصلون على هذا الامتياز حيث يضيق عليهم حتى يخرجوا من هذه الأماكن لينالوا جزاء أعمالهم.

 

ويقول ابن تيمية عن العبادة، وهو أن العبادة تضمنت شيئين، هما الخضوع المطلق، والحب المطلق، وهذا هو معنى الكلمة في اللغة، ويتضح هذا من الحالات التي يوجد فيها أحد الركنين دون الآخر، فالحب بلا خضوع ليس عبادة، والخضوع مع الكراهية ليس عبادة، فإن هذا المعنى للعبادة يشمل الأوامر والنواهي، ويشمل أمرا من أعظم الأمور في الشريعة، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولقد أمر الله المسلمين بأن تكون طائفة منهم تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فعندما تخضع الأمة لأمر الله في هذا وتمتثله مع الحب الشديد، تشكل ما يدعونه بضرورة إشراك الجمهور في مكافحة الجريمة، والمثل الذي ضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل مُعبّر رائع يصور الواقع الذي يحياه الناس أتم تصوير، فلقد شبّه الرسول صلى الله عليه وسلم المجتمع بالسفينة، والعصاة هم هؤلاء الذين يريدون أن يخرقوا السفينة، فمسؤولية الإنكار عليهم ومنعهم من الخرق مسؤولية كل راكب في السفينة.

 

فعن النعمان بن بشير رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” مَثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثَل قوم استهموا على سفينة، فصار بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا، ولم نؤذى من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم، نجوا ونجوا جميعا” رواه البخاري، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” مَن لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدعَ طعامه وشرابه” رواه البخاري، وقال “إذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتله، فليقل إني صائم، إني صائم” متفق عليه، وهكذا سائر العبادات، فإن العبادة سلوك منه ما يكون يوميا، ومنه ما يكون أسبوعيا، ومنه ما يكون سنويا، وهذا السلوك السامي في أثناء العبادة يعوّد الإنسان على السلوك النظيف، والحياة المستقيمة.

 

وأكثر ما يشكل سلوك الإنسان عادات، فإذا اعتاد الخير، صعب عليه تركه، وصعب عليه الوقوع في الشر، وأيضا فإن من الوسائل هو حسن الظن، فالمجتمع الاسلامي هو مجتمع الثقة المتبادلة التي تقوم على مبدأ حسن الظن، فدعوة الإسلام إلى حسن الظن بالآخرين، وصحة عمل المؤمن والأخذ بظواهر الأمور هو ليس من باب تبسيط الأمور والتغطية على أصحاب النوايا الدنيئة الذين يفلتون من عقاب المجتمع تحت ذريعة هذه القيم، لا بالطبع فحسن الظن ليس تبسيطا للأمور بل من أجل تعزيز حالة الثقة في المجتمع، بحيث كل فرد في هذا المجتمع يثق بالآخر فعندما يصبح كل فرد في المجتمع وهو يحمل في نفسه الثقة العالية بالآخرين يعيش هذا المجتمع في سلام ووئام فيتحقق الأمن الاجتماعي والاقتصادي، فقد قال علي بن أبي طالب رضى الله عنه ” شر الناس من لايثق بأحد لسوء ظنه ولايثق به أحد لسوء فعله” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من اتهم أخاه في دينه فلا حرمة بينهما”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى