مقال

الدكروري يكتب عن يوم عرفة

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن يوم عرفة

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن من فضائل سلامة الصدر هو جمعية القلب على الخير والبر والطاعة والصلاح، فليس أروح للمرء ولا أطرد للهم ولا أقر للعين من سلامة الصدر على عباد الله المسلمين، ومن فضائل سلامة الصدر أنها تقطع سلاسل العيوب وأسباب الذنوب، فإن من سلِم صدره وطهر قلبه عن الإرادات الفاسدة، والظنون السيئة عفّ لسانه عن الغيبة والنميمة وتحرى الحلال وابتعد عن الحرام، فينبغي على العبد أن يتحلى بالطاعات التي تؤهله لمغفرة الرحمن، وأن يبتعد عن المعاصى والذنوب التي تحجبه عن هذه المغفرة، فالحلال بين والحرام بين، وصاحب القلب السليم ينجو ولن ينفعه غير ذلك، وإن هذه الأيام التي نحن فيها هذه العشر العظيمة بما اجتمع فيها من أمهات العبادات، وفضائل الأعمال، قال بعض المفسرين إنها المقصودة بقوله سبحانه وتعالى “والفجر وليال عشر” وإقسام الله تعالى بها يدل على عظمها، وكذلك هي التي أخبر عنها.

 

النبى الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله “ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر فقالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء، أى إلا مجاهد، وحالة خاصة من المجاهدين، خرج بنفسه، وماله، فلم يرجع بنفسه، ولم يرجع بماله، وهذه الأيام التي وصفها الله عز وجل بالمعدودات، وأمرنا أن نذكره فيها، وفيها يوم عرفة الذي أكمل الله فيه الدين، وإن صيامه لأهل البلدان يكفر الله تعالى به سنة ماضية وسنة آتية، وإن صيامه عظيم جدا، وهو أكثر يوم يعتق الله تعالى فيه عبادا من النار كما قال النبي صلى الله عليه وسلم “ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وفيه هذا الدعاء العظيم خير الدعاء دعاء يوم عرفة وقال صلى الله عليه وسلم “خير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير”

 

وهذه العشر التي فيها أفضل أيام السنة على الإطلاق، وهو عيد الأضحى، وفيه تنهر الدماء شكرانا لله سبحانه، وفيه يجتمع من العبادات ما لا يجتمع في غيره من صلاة العيد، والأضحية، وذبح الهدي، والطواف، والسعي بعدما نحروا، وحلقوا، ورموا جمرة العقبة، وفي هذه العشر هذه العبادة التي فيها انهار الدم توحيدا لله، وعلى اسمه تعالى فيقول باسم الله، والله أكبر، يشارك بها أهل البلدان حجاج بيت الله الحرام، حتى في بعض أحكام النسك، ومحظورات الإحرام، فيمتنعون عن الأخذ من الشعر، والأظفار حتى تذبح الأضاحي، إنها تذكير بقصة إبراهيم الخليل، وطاعته لربه هو وابنه لما رأى في المنام أنه يذبحه، ورؤيا الأنبياء حق وصدق، فاستسلم الأب وابنه لأمر الله، وقلبه على قفاه كي لا يشهد ألم الذبح على وجهه “وناديناه يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا ” وهكذا فدى الله إسماعيل بكبش عظيم، وكان ذلك آية من آيات الله تعالى.

 

ومضت سنة النحر في العالمين لذلك الحادث العظيم، رفع الله منارة الإيمان والتوحيد، وجمال الاستسلام، وعظمة التسليم، والطاعة لرب العالمين، ويتذكر كذلك الإنسان بها نعمة الله عليه أنه أبقاه حيا إلى هذه السنة، وفيها توسعة على النفس، وأهل البيت، وإكرام الأقارب، والجيران، والإخوان، والصدقة على الفقراء والمساكين وقد ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة عشر سنين، وقد ذبح بعد خطبة عيد الأضحى وقال “من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك، شكرا لله تعالى على نعمه المتعددة، نعمة الإيمان، والسمع، والبصر، والمال، صورة من صور الشكر لرب العالمين التي يظهر بها التوحيد جليا، فقال تعالى “فصلى لربك وانحر” أى وانحر لربك، وأهل الجاهلية ينحرون القرابين لأوثانهم وأصنامهم، ولقد سميت أضحية من وقت ذبحها، اشتقاقا من وقت الضحى الذي تذبح فيه، إنها من بهيمة الأنعام فلا تجزئ من غيرها.

 

والذين يريدون تطيير الشريعة تحت عنوان تطوير الشريعة، يريدون أن يبدلوا كلام الله، يخرجون اليوم بالفتاوى المعوجة لتغيير الدين وتبديله، فتارة يقولون بالدجاج، وتارة يقولون بأشياء أخرى، يريدون أن يبدلوا شعائر الله، وقد ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما” وذلك تيسيرا للذبح، وتسهيلا، وحتى لا يتحرك الحيوان ويضطرب عند ذبح، وأقام النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بالمدينة، وكذلك المسلمون فهي سنة مؤكدة إلى قيام الساعة، وقال عدد من العلماء بوجوبها على القادر المستطيع، فقال صلى الله عليه وسلم “من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا” فعلى كل أهل بيت في كل عام أضحية، وإن استسمانها، واستحسانها، خالية من العيوب هو من تعظيم شعائر الله، والالتزام بالوقت الشرعي في ذبحها، ويدل هذا التعظيم على التقوى في قلبه.

 

ولذلك كان الذبح أفضل من التصدق بأضعاف ثمن الأضحية، فقال سعيد بن المسيب رحمه الله “لئن أضحي بشاة أحب إليّ من أن أتصدق بمائة درهم” فلعلها تشهد يوم القيامة لصاحبها بقرونها، وأشعارها، وأظلافها، وحتى المكان الذي يقع عليه دمها، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا، وقد جعل الله للفقراء فرجا ومخرجا، وكل من لا يستطيع أن يضحي فقد ضحى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال “باسم الله والله أكبر هذا عني وعمن لم يضح من أمتي” وهكذا ذهب الفقراء من هذه الأمة وغير المستطيعين بنصيب من الأجر بسبب ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، وإن بهيمة الأنعام هى الإبل والبقر والغنم، وأن تبلغ السن المحدودة شرعا، فلا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن، والجذع من الضأن ما له ستة أشهر ودخل في السابع، والمسنة الثنية فما فوقها، والثني من المعز ما أتم سنة ودخل في الثانية.

 

والثني من البقر ما أتم سنتين ودخل في الثالثة، والثني من الإبل ما أتم خمس سنين ودخل في السادسة، ولابد أن تكون ملكا مباحا للمضحي فلا تضحية بمغصوب، ولا مسروق، ولا مأخوذ بدعوى باطلة، ولولي اليتيم أن يضحي عنه من ماله إذا جرت بذلك العادة، وربما انكسر قلبه بعدم التضحية، ويشترط في الأضحية أن تكون خالية من العيوب، طيبة، والله لا يقبل إلا الطيب، وكذلك أخبر البراء بن عازب قال “قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال “أربع لا تجوز في الأضاحي، العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها، والكسير التي لا تنقى” أي لا مخ في عظامها لهزالها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى