مقال

الدكروري يكتب عن عندما يستقر الإيمان في القلوب

الدكروري يكتب عن عندما يستقر الإيمان في القلوب

بقلم / محمــــد الدكـــــروري

 

إن الأمة الإسلامية هي الجديرة بأن تسمى أمة، لما يربط بين أفرادها بعضهم البعض، ومجتمعاتها بعضها البعض من الروابط والقوى التي منشأها الدين الإسلامي والأمة هي المجموعة من الناس تربط بينها آصرة العقيدة وهي جنسيتها، وإلا فلا أمة، لأنه ليست هناك آصرة تجمعها، والأرض، والجنس، واللغة والنسب، والمصالح المادية القريبة لا تكفي واحدة منها، ولا تكفي كلها لتكوين أمة إلا أن تربط بينها رابطة العقيدة، وليس أدل على هذا القول من قوله تعالى “كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله” وإن الإيمان إذا استقر في القلوب، يشيع الأمن في المجتمع، ويدعو بوازع باطني كل فرد من أفراد هذا المجتمع مهما كانت مسئوليته، إلى إيجاد رقابة على نفسه واهتمامه بكل ما وكل إليه، ليعمل بهدوء، واطمئنان، رأفة بمن يتعلق به أمره من أبناء المجتمع احتسابا للنتيجة عند الله أجرا مدخرا، وائتمارا بهذا الدين وشرائعه.

 

وهذا هو أكبر مهدئ للنفوس، وأقوى منشط يدفعها للعمل ونكران الذات ويطمئنها على النتائج، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل معلق قلبه بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا فيه وافترقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فاخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه” وأيضا فإن من الوسائل لتحقيق الأمن المجتمعى هو المؤسسات التربوية والخدمية، حيث أن من الدعوات الملحة التي أكد عليها الإسلام الدعوة إلى التجمع للقيام بالمسؤوليات البنائية في المجتمع، فيقول الله تعالى في محكم كتابه الكريم “ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر” فكل مؤسسة أو جمعية تعمل لخدمة المجتمع سواء في المجال التربوي أو الثقافي أو الاقتصادي أو الخدمي.

 

تنطوي تحت هذه الآية الكريمة، وكان الإسلام حريصا أشد الحرص أن يكون عمل هذه المؤسسات خاضعا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ذات الدلالات العبادية والخدمية وفي الميادين الوسيعة، وكل عمل يستهدف الخير والاحسان للمجتمع ويعمل على تخليصه من براثن الانحراف والانزلاق، هو في إطار الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي دعت إليه الآية الكريمة، ولاشك إن لهذه المؤسسات والتجمعات التي تقوم بأعباء هذه الأنشطة دور مهم في تأسيس بنية الأمن الاجتماعي، وتمتين جذور المجتمع ليتمكن من مواجهة الانحرافات والثغرات التي تسببها الحالات الفردية، فمسؤولية هذه الجمعيات والمؤسسات هي الوقاية من هذه الخروقات بدفع المجتمع إلى عمل الخير وتحصينه من بذور الشر والانحراف، وإن الإسلام بنظامه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي يقدم لنا أفضل نموذج للأمن الاجتماعي، وكذلك لابد من تفعيل دور الأسرة.

 

في بناء الإنسان السوي وسد الثغرات التي ينشأ منها الخروقات الأمنية والإنحرافات، إن الأمن هو الطمأنينة والسكينة، وعدم الخوف، وراحة القلب، وعدم وقوع الغدر، والثقة، والهدوء النفسي، فالأمن ضد الخوف، والأمانة ضد الخيانة، والمأمن هو موضع الأمن، والآمن هو المستجير ليأمن على نفسه، وإن الهدف الأساسي منه هو المتمثل بتوفير حياة كريمة يعيش فيها الأفراد بأمن، وسلام، والأمن هو مجموعة من القواعد، والوسائل القانونية التي يتم تطبيقها من قِبل الدولة بهدف كَسب القوة، وتحقيق الحماية الداخلية، والخارجيّة من كافّة المخاطر التي قد تتعرض إليها، ويعتبر الأمن بكافة أشكاله ذا أهمية كبيرة للأفراد، والجماعات، والمجتمعات، حيث يعتبر الأمن الغاية التي سعت إليها الحضارات، والأمم على مر العصور، وهي أيضا الغاية التي تسعى إليها المجتمعات، والحضارات الإنسانيّة المعاصرة، كما أن مختلف الشرائع السماوية.

 

حثت على وجود الأمن باعتباره ضمانا لتطور، واستمراريّة المجتمعات، ويعد الأمن من أهم مقومات حياة الإنسان، وضرورة أساسية لكل جهد بشري فهو يمثل قرين الإنسان، وشقيق حياته، والفيء الذي لا يمكن للبشر العيش إلا في ظله، ومن الجدير بالذكر أن وجود الأمن يحقق الهدف من خلافة الإنسان في الأرض فهو يسمح للإنسان بتوظيف ملكاته، وإطلاق مهاراته، وقدراته، وتحقيق الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة، ومعطيات الحياة لعمارة الأرض، كما أن شعور الإنسان بالأمن يسمح له بالاطمئنان على نفسه، ومعاشه، وأرزاقه، وبذلك سيحقق الأمن الراسخ مصالح الأفراد، والمجتمعات، وإن الأمن هو أحد المقومات الأساسية لنجاح عملية التنمية، والنمو، والارتقاء بمختلف المجالات حيث يُعد الإبداع الفكري، والذهني، والتخطيط المنظم، والسليم، والمثابرة العلمية، من أهم مرتكزات التنمية، ولا يتحقق الازدهار لمشروع التنمية إلا في ظل وجود أمن راسخ يدعم، ويتيح وجود هذه المرتكزات، مما يمكن الإنسان من الاطمئنان على ذاته، وثروته، واستثماراته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى