مقال

الدكروري يكتب عن الحياة المادية المتوحشة

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الحياة المادية المتوحشة

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن هناك أناس ﺷﻐﻠﺘﻬﻢ الدنيا ﻋﻦ ﺫﻛﺮ الله تعالي ﻭﻃﺎﻋﺘﻪ، فنسوا ﺍلله عز وجل ﻭﺃﻫﻤﻠﻮﺍ ﺣﻘﻮﻗﻪ، ﻭﻣﺎ قدرﻭﻩ تعالي ﺣﻖ ﻗﺪﺭﻩ، ﻭﻟﻢ ﻳﺮﺍﻋﻮﺍ ﻻﻧﻬﻤﺎﻛﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺗﻬﺎﻟﻜﻬﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻮﺍﺟﺐ ﺃﻭﺍﻣﺮﻩ ﻭﻧﻮﺍﻫﻴﻪ ﺣﻖ ﺭﻋﺎﻳﺘﻬﺎ ﻓﺄﻧﺴﺎﻫﻢ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ، ﺃﻧﺴﺎﻫﻢ ﻣﺼﺎﻟﺤﻬﻢ ﻭﺃﻏﻔﻠﻬﻢ ﻋﻦ ﻣﻨﺎﻓﻌﻬﺎ ﻭﻓﻮﺍﺋﺪﻫﺎ ﻓﺼﺎﺭ ﺃﻣﺮﻫﻢ ﻓﺮﻃﺎ، ﻓﺮﺟﻌﻮﺍ ﺑﺨﺴﺎﺭﺓ ﺍﻟﺪﺍﺭﻳﻦ، فقد ﺃﻗﺎﻣﻮﺍ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﻬﺪﻣﺘﻬﻢ، ﻭﺍﻋﺘﺰﻭﺍ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺍلله ﻓﺄﺫﻟﺘﻬﻢ، ﺃﻛﺜﺮﻭﺍ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻵﻣﺎﻝ ﻭﺃﺣﺒﻄﻮﺍ ﻃﻮﻝ ﺍﻵﺟﺎﻝ، ﻭﻧﺴﻮﺍ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﻣﺎ ﺑﻌﺪﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺪﺍﺋﺪ ﻭﺍﻷﻫﻮﺍﻝ، فما أحوجنا في هذا العصر وقد طغت فيه الحياة المادية المتوحشة، وعُبد فيه الدرهم والدينار، وتحكمت المناصب والولايات على نفوس بعضٍ، فأغوتهم عن سنن الشريعة وطريق العدالة، فما أحوجنا جميعا إلى مراجعة للنفوس، ومعالجة لأمراضها الخطيرة، وأدوائها القبيحة، متذكرين مواعظ الوحيين، ممتثلين لقيمهما، سالكين رضا الرحمن الرحيم.

 

مهتدين بسنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن نتذكر الدنيا، نتذكر الفقر ونتخوفه، فقال “آلفقر تخافون؟ والذي نفسي بيده لتصبَّن عليكم الدنيا صبا، حتى لا يزيغ قلب أحدكم إزاغة إلا هي” أي إلا هذه الحياة “وايم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء، ليلها ونهارها سواء” فهو حديث عظيم، وعلم من أعلام النبوة، يُعالج وضعنا الخطير في هذا الزمان، فهو حديث يبيِّن أن أسباب الميل عن الحق، وأن أشد عوامل الانحراف عن الطريق المستقيم، وأن أعظم أبواب الفتن هو تحكم الدنيا في القلوب، والإغراق في نيل شهواتها الفانية، ولذاتها المضمحلة، فإن تعلق القلوب بالدنيا وملذاتها إن لم يكن محكوما بالحقائق الإيمانية، والأخلاق الإسلامية فإنه يجر العبد إلى كل صفة ذميمة وفعلة قبيحة، وإلا فهل بخل من بخل عن الزكاة المفروضة، إلا بسبب حب الدرهم والدينار؟

 

وهل حصل ظلم العباد إلا بسبب تغليب هذه الدنيا الفانية وحب شهواتها المضمحلة؟ وهل ارتكس بعض في جريمة الكذب والغش والخداع والحسد إلا بسبب سيطرة هذا الحطام الفاني؟ فحب الدنيا رأس كل خطيئة، وحب الدنيا فى لذاتها بدون تقيد بأحكام الإسلام رأس كل خطيئة، فعن أبي سعيد رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن أكثر ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من بركات الأرض” فقيل وما بركات الأرض؟ قال “زهرة الدنيا” فهل بعد كل ذلك ألا نتعقل، وألا نتذكر في حقيقة هذه الدنيا، وأنها دار محفوفة بالمصائب، مليئة بالرزايا، محاطة بالمخاوف والمخاطر؟ فهل من العقل السليم والمنهج القويم، أن نغتر بزخارفها وبهارجها الخداعة عن نيل وطلب الدار الباقية؟ ألست أيها المخلوق إلى فناء محقق؟ ألم تستبصر أن دنياك مثل فيء أظلك ثم أذن للزوال؟ ويقول الله تعالى “وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور”

 

فوالله ما أقبل عليها امرؤ مُعرضا عن أوامر الله تعالى واقعا في نواهيه، وما أقبلت عليها أمة الإسلام مبتعدة عن منهج الدين إلا كانت الندامة عظيمة، والعاقبة والحسرة كبيرة، فيقول تعالى موهنا أمر الدنيا، ومحقرا لها “اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة” أي إنما حاصل أمرها عند أهلها هذا، ثم ضرب الله تعالى مثل الحياة الدنيا في أنها زهرة فانية، ونعمة زائلة فقال “كمثل غيث” وهو المطر الذي يأتي بعد قنوط الناس، فأعجب الزراع بنبات ذلك المطر، وكذلك تعجب هذه الحياة الدنيا الكفار، فإنهم أحرص شيء عليها، وأميل الناس إليها “ثم يهيج فتراه مصفرا، ثم يكون حطاما” أي يابسا متحطما، فالحياة الدنيا تكون كذلك شابا، ثم كهلا، ثم عجوزا شمطاء، والإنسان يكون كذلك في أول عمره وعنفوان شبابه، غضا طريا لين الأعطاف بهي المنظر، ثم يكبر، فيصير شيخا كبيرا ضعيف القوى قليل الحركة يعجزه الشيء اليسير.

 

ولما كان هذا المثل دالا على زوال الدنيا وانقضائها وفراغها لا محالة، وأن الآخرة كائنة لا محالة حذر من أمرها ورغب فيما فيها من الخير، والدنيا هي متاع فانى غار لمن ركن إليه، فإنه يغتر بها وتعجبه، حتى يعتقد أنه لا دار سواها، ولا معاد وراءها، وهي حقيرة قليلة بالنسبة إلى دار الآخرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى